|
||
|
فقال له الإمام : أن هذا الرجل (1) قد أحضرك ليهتكك ويضع منك ، فلا تقر له أنك شربت نبيذاً قط . واتق الله يا أخي أن ترتكب محظوراً . فقال له متجاهلاً : وإنما دعاني لهذا ، فما حيلتي . قال له الإمام (ع) : فلا تضع من قدرك ولا تعص ربك ولا تغفل ما يشينك ، فما غرضه إلا هتكك . وهنا بدأ الأعراض والتشكيك من موسى أخيه ، إذ لعله كان يحسن الظن بالمتوكل وينكر مؤامرته ، أو لعله يدركها وليس لديه منها مانع ، بالرغم مما فيها من الهتك له ولأخيه ولدينه. فكرر عليه أبو الحسن القول والوعظ ، وهو مقيم على خلافه . فلما رأى أنه لا يجيب ، وجد الإمام عليه السلام أن آخر الدواء الكي ، وأنه لا بد أن يقول قوله الحاسم ، مستمداً من وراء الغيب ، فقال له : إما أن المجلس الذي تريد الإجتماع معه عليه لا تجتمع عليه أنت وهو أبداً . ثم انظر كيف يتم الله نوره ، ويأخذ بيد الإمام (ع) ... أن المتوكل لأسباب مجهولة ، تحول من ذلك الحماس العظيم للاجتماع مع موسى في درا منفردة في مجلس اللهو والطرب ، تحول إلى محاولة إبعاده وحجبه عنه وعدم الإجتماع به. حيث أقام موسى ثلاث سنين ، يبكر كل يوم إلى باب المتوكل ، فيقال له : قد تشاغل اليوم ، فيروح ، ويبكر ، فيقال له : قد سكر فيبكر ، فيقال له : قد شرب دواء . فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكل (2) . ولم يجتمع معه على شراب (3) . ـــــــــــــــــــــــ (1) يعني المتوكل العباسي . (2) نعرف من ذلك أن هذه الحادثة وقعت عام 244 . (3) الإرشاد ص 312 وغيره .
النقطة الثانية : حمايته لأصحابه من الإرهاب العباسي . وذلك بمقدار إمكنه ، ولا ينافي خطه السلبي العام . ولعل أوضح موقف يروى من ذلك ، هو موقف الإمام مع محمد بن الفرج الرخجي ، إذ كتب إليه محذراً : يا محمد اجمع أمرك وخذ حذرك . فلم يفهم ماذا أراد الإمام بكلامه هذا ، ولو كان قد فهم لدفع عن نفسه شراً مستطيراً. يقول هذا الراوي: فأنا في جمع أمري لست أدري ما الذي أراد بما كتب ، حتى ورد عليّ رسول حملني من وطني مصفداً بالحديد ، وضرب على كل ما أملك ، وكنت في السجن ثماني سنين . ثم انظر إلى لطف الإمام عليه السلام به مرة أخرى ، حيث كتب إليه وهو في السجن : يا محمد بن الفرج لا تنزل في ناحية الجانب الغربي قال الراوي : فقرأت الكتاب وقلت في نفسي : يكتب إلى أبو الحسن بهذا وأنا في السجن أن هذا لعجب . فما لبث إلاّ أياماً يسيرة حتى فرج عني وحلت قيودي وخلى سبيلي (1) . ويندرج في مساعدته لهم بطريق الدعاء. وهو الطريق الغيبي المتوفر دائماً ، للانقاذ من المصاعب وحل المشاكل . فكان الإمام عليه السلام يلجأ إليه حين يجد المصلحة في ارتفاع الصعوبة عن هذا الطريق . ـــــــــــــــــــ (1) إعلام الورى ص 342 .
قال: فدخلت على الأمام . فقال لي : يا أبا موسى هذا وجه الرضا. فقلت ببركتك
يا سيدي، ولكن قالوا : انك ما مضيت ولا سألت. فأجابه الامام عليه السلام
... انظر إلى جوابه إذ يسند النتيجة إلى الارادة الألهية والعون الألهي حيث
لا يوجد المعين . فأن أهل البيت عليهم السلام قد أجابوه إلى كل ما يريد
فأجابهم عز وجل إلى كل ما يريدون. وكل من كان كذلك حصل على هذه النتيجة
الكبرى.
ويشبه هذا الموقف ، موقفه عليه السلام مع أيوب بن نوح ـ وهو من ثقات أصحابه (2) ـ حين تعرض له بالأذى قاضي الكوفة السائر في خط الجهاز الحاكم ، المدعو بجعفر بن عبد الواحد القاضي . فكتب إلى الإمام يشكو إليه ما ناله من الأذى. قال الراوي : فكتب إلي : تكفي أمره إلى شهرين . فعزل عن الكوفة في شهرين . واسترحت منه (3) . ولعلنا في غنى عن التعليق على هذا الموقف من الإمام بأمرين : أحدهما: إن الإمام عليه السلام اطلع بطريق سري غيبي أو طبيعي على قرار عزل هذا القاضي قبل شهرين من صدوره . ثانيهما : أن الإمام عليه السلام استعمل في الجواب عبارة غامضة ، يمكن أن تخفى على الرقيب . فإنه لم يكن يمكن أن يفهم أحد أن المقصود هو قاضي الكوفة غير أيوب بن نوح . ـــــــــــــــــــــ (1) المناقب جـ 3 ص 514 . (2) فهرست الشيح الطوسي ص 40 . (3) كشف الغمة جـ 2 ص 176 .
|
|