وقد ذكرنا في التاريخ السابق(1) معنى ادعاء الدجال للربوبية، وإن له نهران .. .طبقاً لهذه الأطروحة ...فلا نعيد.

(أكثر اتباعه أهل الطيالسة الخضر) وهم – حسب ما يبدو – أهل الأموال والسمعة والسيطرة الإجتماعية في المجتمع المسلم المنحرف .و(أولاد الزنا) يمكن أن يراد بذلك أحد معنيين :

المعنى الأول : أؤلئك الذين انقطعوا عن آبائهم عقائدياً ومفاهيمياً ...واصبحوا أولاداً للناس الآخرين الذين آمنوا بربوبيتهم وولايتهم ومبادئهم .

المعنى الثاني : إن الإيمان بالإتجاه المادي الحديث ، ينتج إنكار عقد الزواج وتكوين الأسرة بدونه ، كما عليه  عدد من الناس في البلاد إلاسلامية الآن ، فينتجون ذرية تكون لقمة سائغة في شدق السبع المادي الهائل .

وليس هذا موقف الحضارة المادية المعاصرة فقط، بل موقف كل حضارة مادية على مدى التاريخ ،وخاصة فيما إذا استمرت في المستقبل عدداً مهماً من ألأجيال .ومفهوم (الدجال) شامل لمجموع الحضارة المادية على مدى التاريخ ، لا خصوص حضارتنا المعاصرة المحترمة !!! ...

وإذا كان للدجال أن يعاصر ظهور المهدي ونزول المسيح ، أو أن يوجد قبل ذلك بقليل، ليكون من علاماته القريبة ...فمعنى ذلك استمرار الحضارة المادية إلى ذلك الزمان ، مهما كان بعيداً ، لكي يستمر التمحيص ويتعمق بالتدريح ، حتى ينتج نتيجته المطلوبة المنتظرة .

والدجال يقتله المسيح والمهدي (ع) ، كما سنسمع ، لأن نظامهما تماماً سيقضي على الحضارة المادية وما ملأت به الأرض من الظلم والجور والإنحراف ، ويتبدل إلى القسط والعدل والإنصاف والرفاه .

الناحية الثانية : علاقة الدجال بالمسيح (ع) عند نزوله.

أخرج مسلم(2) من حديث عن النواس بن سمعان قال ذكر رسول الله (ص) الدجال إلى أن يقول : فبينما هو كذلك ، إذ بعث الله المسيح ابن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهر ودتين ،واضعاً كفيه على أجنحة ملكين .فيطلبه حتى يدركه بباب لد ، فيقتله .ثم ياتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ... الحديث.


 
صفحة (142)
ـــــــــــــــــ

(1) انظر ص642 و ص745.

(2) صحيح مسلم ص197- 198 ج8.

 

 

وفي حديث آخر لمسلم(1) قال : قال رسول الله (ص) : يخرج الدجال في امتي فيمكث أربعين ... فيبعث الله عيسى بن مريم ، كأنه عروة بن مسعود ، فيطلبه فيهلكه ، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ... الحديث .

وهناك في المصادر العامة الأخرى أخبار بهذا لمضمون، ولكننا نقتصرعلى ما أخرجه مسلم .

والمصادر العامة اقتصرت على ذكر العلاقة بين الدجال ،بأي معنى فهمناه ، وبين المسيح (ع) على حادثة قتله .كما اقتصرت في قاتل الدجال على المسيح (ع) ولم تتعرض للمهدي (ع) على ما سنسمع ذلك ونناقشه .

وسنتعرض إلى حادثة نزول المسيح في القسم الثاني من هذا التاريخ ، وسنوافق عليها إجمالاً . فإذا تم ذلك ، وهو لايتم إلا بعد طغيان الدجال واستفحال أمره ،بأي معنى فهمناه كان من أهم الأعمال الي يستهدفها هو القضاء على الدجال والإجهاز على نظامه ومفاهيمه .

ومنطق الأشياء أن يسبق مقتل الدجال حرب سجال بينه وبين المسيح ، يكتب فيها النصر للمسيح فيقتله .وأما فوزه عن طريق المعجزة ،كما يظهر من البرزنجي في (الإشاعة )(2) ، فهو مخالف لما قلناه من أن اسلوب الدعوة الإلهية غير قائم على المعجزات ، مالم ينحصر بها الأمر . وإلا كان نبي الإسلام (ص) في نصره على قريش أولى بالمعجزات. ولاستطاع السيطرة على كل العالم بين عشية وضحاها. ومن هنا لا نقول بوجود المعجزات في طريق نصر المهدي (ع) إلا بمقدار الضرورة التي لا بديل عنها .

 

 صفحة (143)
ـــــــــــــــــ

(1) صحيح مسلم ج8 ص201.   (2) انظر ص135.

 

وقد سمعنا في هذه الأخبار عدة خصائص من حيث أن  قتل الدجال سيكون في دمشق، وهو أمر يصعب إثباته تاريخياً ،ولكنه لو تم فهو يدل على أن هذه البلدة ستصبح مسرحاً مهماً ومركزاً رئيسياً للدجال ،لا يكون لقتل الدجال هناك أكثر من هذا المعنى .أعني تحويل دمشق من الإنحراف إلى الإيمان .

وهذا مما يفسر لنا ما سيأتي من وجود عدد من المخلصين الممحصين الراسخين في الإيمان في دمشق، على ما دلت عليه الأخبار، وسيأتي في محله من هذا الكتاب . فإن انحراف المجتمع كلما تزايد والظلم كلما تضاعف، أوجب ذلك عمق التمحيص ودقته ، الأمر الذي يوجب زيادة عدد المؤمنين وزيادة إخلاص الموجود منهم ...حتى وصفوا في هذه الأخبار بالأولياء والأبدال . وهؤلاء وأمثالهم هم الذين إليهم عيسى بن مريم ( فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة) ، كما سمعنا في الحديث .

 غير أن ظاهر الحديث أنه يأتي إليهم بعد أن يتم قتل الدجال على يديه ، لا أنه يرتكز عليهم في قتاله .والصحيح أن الحديث دال على أنه (ع) يأتي إليهم ويبشرهم بالجنة بعد قتل الدجال ،ولكنه لا يدل على عدم مشاركة هؤلاء في قتله أو قتاله .بل لعل الدرجات التي استحقوها في الجنة ناشئة إلى حد كبير من هذه الأعمال الكبرى.

الناحية الثالثة : في علاقة الدجال بالمهدي (ع) .

وهذا ما وجدناه في المصادر الخاصة ، دون العامة .

أخرج الشيخ الصدوق(1) بإسناده عن النزال بن سبرة قال خطبنا علي بن أبي طالب (ع) ، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على محمد وآله .ثم قال :

سلوني قبل أن تفقدوني ثلاثاً .فقام إليه صعصعة بن صوحان .

فقال: يا أمير المؤمنين متى يخرج الدجال ؟ فقال له : اقعد فقد سمع الله كلامك وعلم ماأردت ..إلى أن يقول بعد حديث طويل : يقتله الله عز وجل بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق ، لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يد من (2) يصلي عيسى بن مريم خلفه .... الحديث .


 
صفحة (144)
ـــــــــــــــــ

(1)انظر كمال الدين (المخطوط) باب الحديث الدجال وما يتصل به من أمر القائم صلوات الله وسلامه عليه .

                                  (2) في المخطوط: على من يد من .... وهو تحريف .