ولذلك لم يكن هناك حاجة للإشراف المركزي عل التثقيف أو التمحيص وإن كان هذا راجحاً ، إلا أنه في إمكان التخطيط العام  أن يصل إلى نتيجته وصولاً تلقائاً وفي كل  الظروف.

ولكن التخطيط الثاني يختلف عن الأول ، في هذه النقطة .وذلك لأنه لا يستهدف مجرد التمحيص ، بل الوصول إلى الهدف الأعلى للإنسانية على الصعيد العالمي كله .وهذا يستدعي القيام بأمرين مقترنين :

الأمرالأول : تعميق التمحيصات تبعاً لتعميق الثقافة الإسلامية المعلنة في العالم يومئذ ، وتشديد النكيرعل الراسبين في هذا التمحيص ، إلى حد قد يؤدي بهم إلى القتل ، لعدم انسجام الفرد الراسب في التمحيص مع مجتمع العدل المطلق .

الأمر الثاني : توفير الفرص الكافية للأفراد ، ممن لا يتصف بالقابلية  العليا والثقافة العميقة ، إلى النجاح ، تحت إشراف الدولة العادلة ، ليكون الوصول إلى نتيجة التخطيط أسرع وأسهل وأوسع .

وليس بين هذين الأمرين تناف ، بل هما متفقان في الإيصال المطلوب إلى النتائج المتوخاة ، وسوف يكون الأمر الأول أشد وضوحاً وأهمية مع وجود الأمر الثاني ، فإن من يرسب في التمحيص ، بالرغم من وجود الفرص الكافية للنجاح ، يكون أشد إجراماً وابعد عن الحق والعدل ، ممن يرسب بدون هذه الفرص ،كما هو واضح .

وهذا يشكل إحدى الفروق في النتائج بين هذا التخطيط وسابقه ، فبينما نجد أن التخطيط السابق يتمخض عن ضعف المسؤولية ، كما سبق أن برهنا في التاريخ السابق(1) نرى هذا التخطيط مساوقاً مع عمق المسؤواية ودقتها .

ويرجع ذلك لعدة أسباب، لعل من أوسعها وأوضحها ، كون تطبيق العدل  في التخطيط السابق مخالفاً للإتجاه العام المملوء بالظلم والجور ، حتى يكون القابض على دينه كالقابض على جمرة من النار ، كما ورد في بعض الأخبار .ومن الواضح أن القبض على الجمر يحتاج إل قوة إرادة عليا ، وإن عدم القبض  عليه لا يتضمن المسؤولية العليا والإجرام الكبير .بخلاف الحال في التخطيط الجديد ، فإن تطبيق العدل موافق للإتجاه العام المملوء قسطاً وعدلاً ، ومن هذه الجهة يكون موافقاً للهوى ، ويكون الإنحراف مخالفاً للإتجاه العام فتكون مسؤوليته ذات درجة عليا من الأهمية ومناستحقاق العقاب .

فهذه هي الأسس الرئيسية التي يمكن التوصل إليها الآن ، وبها وأشباهها يستطيع القائد المهدي(ع )  تربية الأمة ألإسلامية بسرعة وبسهولة .وأما بالنسبة إلى سائرأجزاء العالم فهذه الأسس سوفتشارك في تربيته بعد استتباب اسيطرة عليه ، وأما حصول هذه السيطرة فلا وكيفيتها ، فهو ما سنذكره مفصلاً في فصل قادم.


صفحة (109)
   
ــــــــــــــــــ

(1) تاريخ الغيبة الكبرى ص 451 وما بعدها إلى عدة  صفحات .