والشمراخ ، له عدة معان في اللغة، منها راس الجبل منها غرة الفرس ، دقت وسالت وجللت الخيشوم ولم تبلغ الجحفلة(1) . والجحفلة لذي الحافركالشفة للإنسان(2).

فإذا عرفنا ذلك ، أمكننا أن نذكر لفهم هذا الخبر اطروحتين:

الأطروحة ألاولى : وهي منطلقة من أن معنى الشمراخ : راس الجبل ، فيكون معنى الخبر :أن واسطة النقل التي يركبها المهدي ذات ارتفاع أمامي دقيق وطويل يشبه قمة الجبل ،وهذا الوصف ينطبق على الدبابة التي يكون أمامها المدفع ،وينطبق على الطائرات الحديثة التي يكون مقدمها مخروطي الشكل مدبباً .ولكن  بعد العلم أن الطائرات لا تكون إلا بيضاء ، فلا ينطبق عليها اللون المذكور في الخبر،كما ان التعبير بالفرس ،  يراد به واسطة النقل الأرضية لا الجوية .إذاً نعرف انطباقه على الدبابة ،وهي إحدى وسائط النقل الحربية التي تستعمل في القتال الأرضي .

ويؤيد هذه الطروحة ، قضية اللون الموصوف في الخبر ،فإن عدداً من الدول تجعل الدبابات ،وهي إحدى وسائط النقل الحربية التي تستعمل في القتال الأرضي.

ويؤيد هذه الأطروحة قضية اللون الموصوف في الخبر ، فإن عدداً من لدول تجعل الدبابات ذات لونين فاتح وغامق وعلى شكل بقع كبيرة لكل لون ، كالفرس الأبلق تماماً.

الأطروحة الثانية : وهي منطلقة من أن معنى الشمراخ غرة الفرس أي جبهته ،إذا كانت طويلة وجميلة ،فيكون معنى الخبر: إن ف يمقدمة واسطة النقل التي يركبه االمهدي شيء يمكن أن يصدق عليه مجازاً هذا الوصف، ويبدو الآن ان الزجاجة الواسعة التي تكون في مقدمة السيارة عادة هي المقصود من الخبر.فيكون المراد : أن المهدي (ع) يركب سيارة اعتيادية ذات لونين.

وحيث كان الحديث في الخبرعن الفرس ، إذاً يكون فهم الشمراخ طبقاً للأطروحة الثانية هو الأفضل.

هذا ، ولكن الخبر الآخر الذي وصف الشمراخ، ذكر ان له نوراً حتى "لا يبقى أهل بلد إلا نور ذلك الشمراخ حتى يكون آية له " أي للإمام المهدي (ع).

ولفهم هذا النور عدة اطروحات نذكر منها ثلاثاً :

الأطروحة الأولى: ان يكون النور إعجازياً ، " حتى يكون آية له" من اجل تمييز سيارة الإمام المهدي (ع) عن غيرها ،أو لأسباب أخرى.


صفحة (588)
ـــــــــــــــــ  

(1) اقرب الموارد ، المادة (شمرخ).

(2) المصدر :مادة جحفل.

 

الأطروحة الثانية :ان يكون هذا النور معنوياً ، يعبرعن الهدى والعدل الذي يصدر عن راكب هذه السيارة ،أعني الإمام مهدي نفسه .

الأطروحة الثالثة : أن يكون هذا النور مادياً صادراً من واسطة النقل بطبيعة تكوينها ، غير أن سيارة من هذا القبيل لم تكتشف إلى حد الآن ، فلعلها تصمم في المستقبل قبل الظهور أو بعده.

وللقارىء تفضيل إحدى الأطروحات على بعض.

وأما طيّ الأرض للإمام المهدي ، فقد فهمنا منه الإنتقال الطبيعي ، بوسائط السفر السريعة التي لم تكن متوفرة في عصر صدور هذه الأخبار.

وتبقى عندئذ بعض الأسئلة التي تحتاج إلى الجواب ، نذكر أهمها :

السؤال الأول: لماذا لم نفهم من طي الأرض للإمام المهدي الأسلوب الإعجازي في الإنتقال ، كما يفهم ذلك التفكير التقليدي لدى المسلمين ،فإن هذا بالنسبة للدجال لم يكن ممكناً لعدم إمكان صدور المعجزة منه ، كما قلنا ،ولكن ممكن بالنسبة إلى المهدي (ع) فينبغي الحمل عليه.

وجواب ذلك من عدة وجوه :

الوجه الأول: أننا قلنا في التاريخ السابق(1) وفي هذا الكتاب ، أنه كلما أمكن فهم الأسلوب الطبيعي من الخبر ،كان هذا متعيناً ، ما لم تقم قرائن واضحة في تعيين الأسلوب الإعجازي وهذه الأخبار لا تحتوي على مثل هذه القرائن ، فحملها على الأسلوب الطبيعي هو الصحيح.

الوجه الثاني : قانون المعجزات الذي يقول :أنه كلما أمكن البديل الطبيعي للمعجزة لم يكن للمعجزة مجال.ومن الواضح ان السفر بوسائط النقل الحديثة ، يوصل الفرد إلى أي نقطة من العالم بأقصى سرعة ،ولا سيما في الطائرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت أكثر من مرتين ، فلا يبقى للمعجزة مجال.

الوجه الثالث : أننا سمعنا أن الدجال تطوى له الأرض أيضاً ،والمهدي تطوى له الأرض أيضاً. فقد استعمل هذا المفهوم على نمط واحد بالنسبة إلى كلا الشخصين.فبعد البرهان على إرادة المعنى الطبيعي للسفر السريع، بالنسبة إلى الدجال ، يتعين نفس الفهم بالنسبة إلى المهدي لأن الخبر استعمل فيه نفس المفهوم بدون رتوش.


صفحة (589)
ـــــــــــــــــ  
 

(1)انظر ص218 وغيرها.

 

السؤال الثاني: إن طيّ الأرض ذكر في الأخبار بصفته إحدى الصفات المهمة التي يتصف بها المهدي دون سائر البشر .فلو حملناه على معنى السفر الطبيعي السريع. لم تكن مزية للمهدي (ع) كما هو واضح .

وجواب ذلك يكون من وجوه نذكر منها وجهين:

الوجه الأول : إن استفادة هذه المزية من الأخبار لا تخلو من مناقشة ، إذ بعد اتصاف الدجال بهذه الصفة أيضاً لا تكون الصفة من خصائص الإمام المهدي (ع) كما هو واضح .وقد نسبت في بعض الأخبار إلى أصحاب الإمام المهدي (ع) عند اتجاههم إلى لقائه لأول مرة .كماسبق ، فكيف تكون من خصائصه.

الوجه الثاني : إن هذه الأخبار لا تدل على اختصاص هذه الصفة بالمهدي (ع) حتى مع التنزل – جدلاً- عن الوجه الأول .فإنها إنما دلت على ان مجموع  ما ذكرت له من صفات ، لا يمكن أن يتصف بها أحد غيره .وهذا صحيح وأما كل واحدة من هذه الصفات لو لوحظت بحيالها فقد يتصف بها آخرون أيضا ، كطي الأرض نفسه إلا أن بعض الصفات التي قام البرهان على اختصاصه بها كتأسيسه للدولة العالمية العادلة ،وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً .

السؤال الثالث: إن طي الأرض ذكر في الأخبار في سياق امور إعجازية فنفهم باعتبار وحدة السياق أنه يحدث بطريق إعجازي.

وجوابه :أننا استطعنا من خلال هذا التاريخ وهذه الموسوعة أن نفهم الأعم الأغلب من صفات الإمام المهدي وما ذكرت عنه الأخبار .بشكل طبيعي اجتماعي مرتب ، لا إعجاز فيه ولا تنافر في مدلوله، ومن هنا يمكن القول بأن طي الأرض لم يقع في الأخبار ضمن الصفات الإعجازية ، بل ضمن الصفات الطبيعية ، ومن هنا تقتضي قرينة وحدة السياق أن نفهم من طي الأرض الأسلوب الطبيعي لا الإعجازي على عكس ما توخاه السائل.

وإلى هنا يتم الحديث في الخاتمة الثانية من الفصل السابع من هذا الباب ، وبها ينتهي الفصل نفسه.
 

صفحة (590)