|
||
|
مجيء المهدي (ع) بأمر جديد وكتاب جديد
وهو ما نطقت به روايات عديدة ،ومما يمثل الجزء الأساسي من الأيدولوجية العامة لدولة المهدي عليه السلام. ومن هنا ينبغي أن يقع الحديث عن ذلك ضمن عدة جهات : الجهة الأولى : في سرد الأخبار الدالة على ذلك: وهي مما اختصت به المصادر الإمامية فيما نعلم . أخرج النعماني(1) بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام ، أنه قال: لا بد لنا ... إلى أن قال : لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد ...الحديث. وأخرج أيضاً (2) بسنده إلى أبي حمزة الثمالى ، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام ، يقول: لو قد خرج قائم آل محمد بن (ع) ... إلى أن قال: يقوم بأمر جديد وسنة جديدة ،وقضاء جديد على العرب شديد. وأخرج أيضاً(3) عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) ، قال: يقوم القائم في وتر من السنين ...إلى أن قال: فوالله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس بأمر جديد (شديد) وكتاب جديد، وسلطان جديد من السماء .
صفحة (443) (1) الغيبة ص 102. (2) المصدر ص122 وما بعدها. (3) المصدر ص139.
وأخرج المجلسي في البحار(1) عن النعماني بسنده عن كامل عن أبي جعفر (ع) أنه قال: إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله ، وأن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء. وأخرج (2) أيضاً عنه بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء . فقلت : اشرح لي هذا الأمر أصلحك الله .فقال : يستأنف الداعي الداعي منا دعاءً جديداً ، كما دعا رسول الله (ص) إلى غير ذلك من الأخبار . وهذه الأخبار بحسب اعدادها كافية للإثبات التاريخي .وهي تعطي عدة عناوين : الأمر الجديد والسنة الجديدة والقضاء والسلطان الجديد والدعاء الجديد .وليس فيها أنه يدعو إلى دين جديد .كماهو المشهور على بعض الألسنة. الجهة الثانية: في محاولة إيجاد فهم عام لهذه الأخبار ، بشكل يكون مرتبطاً بالتخطيط العام . إننا إذا لاحظنا الأحكام الإسلامية في عصر الغيبة، وهو عصر يبعد عن مصدر التشريع الإسلامي ، وأخذنا بنظر الإعتبار من حيث وجودها النظري والتطبيقي ، نجد فيها أربعة موارد من النقص والقصور. المورد الأول: الأحكام الإسلامية التي لم تعلن للناس أصل، بل بقيت معرفتها خاصة بالله ورسوله والقادة الإسلاميين. فإن الأحكام التي اوصلها الله تعالى إلى البشر بواسطة الرسول (ص) ، وعرفها قادة الإسلام ... منها: ما أعلن بين الناس لكي يكون مدار عملهم وفقههم لفترة معينة . ومنها: أحكام بقيت مستورة عن الناس ومؤجل إعلانها إلى زمن ظهور المهدي وتطبيق العدل الكامل .
(1) ج13 ص194 (2) المصدروالصفحة .
وأوضح دليل على هذا الإنقسام :أننا نجد بالوجدان أن عدداً مهماً من الأحكام لم يكن في الإمكان أن يصدر في صدر الإسلام وزمن القادة الإسلاميين الأوائل لعدم معرفة المجتمع بموضوعها بالمرة، وعدم مناسبتها مع المستوى الفكري والثقافي له .... كحكم ركوب الطائرة واستعمال القنابل وحكم زرع القلب وغير ذلك. ومعه ، فالضرورة مقتضية لتأجيل بيان هذه الأحكام وإعلانها إلى ما بعد معرفة المجتمع بموضوعاتها ،وهذا لا يكون مع البعد عن مصدر التشريع بطبيعة الحال ،وإنما تعلن عند اتصال البشرية مرة ثانية بهذا المصدر متمثلاً بالإمام المهدي (ع). المورد الثاني: الأحكام التالفة على مر الزمن ،والسنة المندرسة خلال الأجيال ، مما يتضمن أحكام الإسلام ومفاهيمه أو يدل عليها . فإن ما تلف من الكتب التي تحمل الثقافات الإسلامية على اختلافها ، بما فيها أعداد كبيرة من السنة الشريفة والفقه الإسلامي، نتيجة للحروب الكبرى في تاريخ الواقعة ضد المنطقة الإسلامية ،كالحروب الصليبية وغزوات التتار والمغول وغير ذلك ... عدد ضخم من الكتب يعد بمئات الآلآف ، مما أوجب انقطاع الأمة الإسلامية عن عدد مهم من تاريخها وتراثها الإسلامي ،واحتجاب عدد من الأحكام الإسلامية عنها . المورد الثالث: أن الفقهاء حين وجدوا أنفسهم محجوبين عن الأحكام الإسلامية الواقعية في كثير من الأمور المستجدة ،والوقائع الطارئة على مر الزمن ... اضطروا إلى التمسك بقواعد إسلامية عامة معينة تشمل بعمومها مثل هذه الوقائع .... وهي قواعد إسلامية صحيحة تنقذ الفرد عند جهله بالحكم وتعين له الوظيفة الشرعية إلا أن نتيجتها في كل واقعة ليست هي الحكم الإسلامي الواقعي أوالأصلي في تلك الواقعة ،وإنما هو ما يسمى بالحكم الظاهري ،وهو يعني ما قلناه من تحديد الوظيفة الشرعية للمكلف عند جهله بالحكم الواقعي الأصلي. وهذا النوع من الأحكام الظاهرية أصبح بعد الإنقطاع عن عصر التشريع وإلى الآن مستوعباً لأكثر مسائل الفقه أم كلها تقريباً ما عدا الأحكام الواضحة الثبوت في الإسلام. والفتاوى التي يعطيها الفقهاء في مؤلفاتهم .وإن لم تكشف عن هذا المعنى بصراحة ،وإنما نراهم يعطون الفتوى عادة بشكل قطعي ،مشابه لإعطائهم الفتوى بالحكم الواقعي الأصلي ،إلا أن مرادهم بقطعية الحكم: قطعية الحكم الظاهري .أي : أن هذه الفتوى هي غاية تكليف المكلفين في عصر الإحتجاب عن عصر التشريع. وهي الفتوى التي تضمن إطاعة الله تعالى وتفريغ ذمة المكلف باليقين . وهذا أمر صحيح إلا أنه لا يعني بحال أن تكون تلك الفتوى هي الحكم الإسلامي الواقعي.
صفحة (445) |
|