|
||
|
في مدة بقاء المهدي (ع) في الحكم
تمهيد : ينفتح السؤال عن مدة حكم المهدي (ع) باعتبارين : الإعتبار الأول: السؤال عن بقاء شخص الإمام المهدي (ع) في الحكم، بمعنى الإستفهام عن المدة المتخللة بين ظهوره ووفاته، أو بالأصح المدة بين استتباب الدولة العالمية، ووفاته ... بعد اليقين بأنه (ع) سوف يقضي أيام حياته كلها في الحكم. الإعتبار الثاني : السؤال عن بقاء نظام المهدي (ع) ودولته ، ذلك النطام الذي يبقى بعد وفاته. ويكون المراد الإستفهام عن أن دولة العدل العالمية هل هي باقية إلى نهاية البشرية ، أو لا .وهل أن يوم القيامة ونهاية البشرية يحدث بعد موت المهدي بقليل ،أو بكثير. وإذا كانت الحياة البشرية باقية مدة طويلة ، فهل تتحول الحياة إلى دولة ظالمة منحرفة ،تحدث بعد دولة الحق .أو تبقى دولة الحق والعدل باقية على يد الحكام العدول الأولياء الصالحين إلى يوم القيامة. ومرادنا من هذا الفصل التحدث عن الإعتبار الأول ، مؤجلين الجواب عن مدة دولته ونظامه إلى الباب الأخير من هذا التاريخ . ولا بد في صدد الحديث عن هذا الأمر أن يقع الحديث في عدة جهات: الجهة الأولى : في مقتضى القواعد العامة والتخطيط الإلهي العام حول ذلك ، عرفنا فيما سبق أكثر من مرة مبرهناً ،بأن الله تعالى استهدف من خلق الخليقة إيجاد العبادة الخالصة في ربوعها ،وتطبيق العدل الكامل فيها.... وخطط لذلك تخطيطاً طويل الأمد لإيجاد شرائط هذا التطبيق، متمثلاً في التخطيط العام السابق على الظهور ،وخطط لإستمرار هذا التطبيق وحفظه من الإنحلال والزوال، متمثلاً بالتخطيط العام لما بعد الظهور ، ذلك التخطيط المنتج في خطه الطويل للمجتمع البشري المعصوم .
صفحة (431) وقد عرفنا دورالإمام المهدي (ع) بشخصه في هذين التخطيطين ....فإنه يمثل نهاية التخطيط الأول، ونتيجته، وبداية التخطيط الثاني ونقطة انطلاقه .ويكون هو الرائد الأساسي الأول للتطبيق العالمي العادل الكامل. وهذه الزيادة ،مع غض النظر عن أي شيء آخر ، تستدعي زماناً كافياً لتحصيل الغرض المقصود منها. إذ بدون ذلك يكون المهدي (ع) عاجزاً عن التطبيق العادل لقلة المدة ، فيكون الهدف الإلهي الأعلى منخرماً في نهاية المطاف. وهذا ما يستحيل تحققه .وقد برهنا على عدم قيام المعجزات في مثل هذا الطريق . إذن فالضرورة قاضية ببقاء المهدي (ع) زماناً كافياً للتطبيق بشكل يكون قابلاً للبقاء والإستمرار بعده .فإذا التفتنا إلى التركات الثقيلة التي يخلفها عصر الغيبة الكبرى إلى زمن الظهور ،إلى حد أصبح المسلمون فيه على مستوى عصيان واضحات الإسلام والإستهزاء بأساس الدين ، فضلاً عن غير المسلمين ،ونظرنا إلى أحوالهم الأخلاقية والإقتصادية والنفسية والقانونية والإجتماعية المتدهورة إلى الحضيض ، عل ما نراه الأن جهاراً في وضح النهار.استطعنا ،عند ذلك ،أن نخمن الجهد العظيم الذي ينبغي أن يبذله المهدي(ع) في هذا العالم لكي يحوله من الجحيم إلى النعيم . وهذا ما لا يتوفر بمجرد فتح العالم والإستيلاء عليه ، فإن الأراضي يومئذ وإن أصبحت إسلامية وتحت حكم الإسلام من الناحية الفقهية القانونية ،إلا أن تربية تلك المجتمعات أمراً أعقد بكثير من مجرد فتحها ، فإن الفتح إنما يكون مقدمة لتربيتها ، ولم يكن لأجل الأطماع أو مباشرة السلطة. وإنما المهدي (ع) مسؤول عن ترسيخ العدل الكامل بشكل له قابلية البقاء والإستمرار في المدى البعيد ... وإن يوكل ذلك بعده إلى أيد أمينة مخلصة . ومعه فمدة بقائه بالحياة وبالتالي : بالحكم ، مدة مناسبة لإنتاج ذلك . وإما إن هذا المقدار من السنين ،كم عدده بالتحديد؟ فهذا لا يمكن أن تسعفنا به القواعد العامة. بل ينبغي الفحص عنه في الأخبار الخاصة المتكفلة لبيان ذلك.
صفحة (432) وينبغي أن لا نستغرب من أن يكون زمن هذه المدة قليلاً نسبياً ، فإن مهمته (ع) مما لا يمكن أن تقوم بها الأفراد والجماعات في قرن كامل. وحسبنا من هذا ان البشرية لم تقم بهذه المهمة في تاريخها الطويل ، على الإطلاق . ولكنه شخصياً لمدى قابلياته وعلومه والتوفيق الإلهي المحالف له بصفته المنفذ الأساسي للغرض الأعلى من البشرية ، ولمدى قابليات أصحابه الذين هم القواد والفقهاء والحكام،على ما سمعنا من الروايات ... فيمكن أن تتصور أنه يقوم بتلك المهمة في زمن قصير نسبياً ، هو بالنسبة إلى غيره أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع ، ولكنه منه (ع) ليس ببعيد. الجهة الثانية: في سرد الأخبار الدالة على مدة ملكه . وهي أخبار كثيرة، ولكنها متضاربة في المضمون إلى حد كبير ، حتى أوقع كثيراً من المؤلفين في الحيرة والذهول . وهذه الروايات على نوعين ،منها ما يدل على بقاء المهدي (ع) في الحكم عشر سنوات أو أقل. ومضمونها المشترك هو الأشهر في الروايات ،ومنها ما يدل على بقائه (ع) أكثرمن عشر سنين أو بكثير. النوع الأول: ما دل من الروايات على بقاء المهدي (ع) في الحكم عشر سنوات فأقل ، وهو موجود في الأغلب، في المصادر العامة ، وبعض المصادر الخاصة . أخرج أبو داود(1) بسنده إلى أبي سعيد الخدري ، قال: قال رسول الله (ص) : المهدي مني .إلى أن قال : ويملك سبع سنين . وفي حديث آخر(2) عن ام سلمة عنه (ص) – يقول فيه - : فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون . قال أبو داود: وقال بعضهم عن هشام : تسع سنين وقال بعضهم : سبع سنين . وأخرج الترمذي (3) بسنده عن ابي سعيد الخدري عن النبي (ص) : إن في امتي المهدي ، يخرج يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً – زيد الشاك – قلنا : وما ذاك : قال : سنين ... الحديث .قال الترمذي :هذا حديث حسن .وقد روى من غير وجه عن أبي سعيد عن النبي (ص) .
(1) السنن ج2 ص422. (2) المصدر ج3 ص423. (3) الجامع الصحيح ج3 ص343
|
|