|
|||||
|
وجواب ذلك: أن تلك الروايات واضحة جداً في نقصان الأنفس . وهذه الرواية ليست بهذا الوضوح لتكون قرينة على فهم الروايات الأخرى. إذ من المحتمل أن هذه الرواية تريد بيان نقصان الإيمان فقط ، كما هو المراد السؤال . ومن المحتمل أنها تريد نقص الإيمان والأنفس فقط معاً ، فكأنما تقول : لا يزال الناس ينقصون إيماناً حتى لا يقال الله .ومعه تكون القرينة المذكورة في السؤال ، بدون موضوع . الضمان الثالث : لإنتصار الإمام المهدي .(ع) . توفير جماعة من المخلصين الكافين للقيام بمهام الفتح العالمي ، وتنفيذ الغرض الإلهي الأعلى من خلق الخليفة . وقد عرفنا كيف خطط الله تعالى لوجودهم ، في ضمن الفترة الطولة المتخللة بين صدر الإسلام والظهور ، كما عرفنا أعدادهم وسمعنا الروايات الواردة في اسمائهم ، إلى غير ذلك من التفاصيل . والمهم الآن . هو كيف ننظر إلى أمور اخرى من خصائصهم وصفاتهم ، لم نكن قد سمعناها . من حيث إيمانهم وشجاعتهم وإخلاصهم للمهدي (ع) وطاعتهم له ، وحسن انقيادهم لقيادته . لنعرف في النتيجة كفايتهم لفتح العالم وكون هذه الأوصاف تشكل ضماناً أساسياً للنجاح في الثورة ، بشكل غير متوفر في أي جيش . وينبغي أن نتكلم عن ذلك ضمن عدة جهات : الجهة الأولى : ثبت من التجارب الكثيرة التي عاشتها الجيوش خلال الحروب : أن النصر منوط عادة بصفات معينة لا بد أن يتصف بها أفراد الجيش لكي يكونوا أكثر إقداماً وأسرع نصراً . وتتلخص هذه الأوصاف بالأمور التالية . الأمر الأول: الإيمان بالهدف ، فكلما كان الجيش أوعى لهدفه كان أقرب إلى النجاح ، وأما إذا لم يكن يفهم لنفسه هدفاً ، وإنما يساق سوق الأغنام إلى ساحة القتال، فسوف تكون فرصة الفوز من هذه الناحية قد فاتت بشكل مؤسف . الأمر الثاني : الشعور بالمسؤولية تجاه الهدف ، وأنه هدف مهم يتوقف تحقيقه على مسعاه ومسعى غيره من الناس . وأنه هدف لا يتحقق إلا ببذل النفس والنفيس في سبيله .
صفحة (345) وإذ يكون الجندي على مستوى المسؤولية والإخلاص ، فإنه يكون لا محالة مقدماً على التضحية والصبر على المكاره في سبيل هدفه . وكلما تعمق هذا الشعور في نفس الفرد أو أنفس كل أفراد الجيش ، كان أقرب إلى النصر . وأما إذا كان أفراد الجيش غير شاعرين بالمسؤولية ، ولا مخلصين للهدف بل يرون ضرورة تقديم مصالحهم الخاصة على مصلحة القتال وتحقيق الهدف ... فمثل هؤلاء من الصعب أن نتصور لهم النجاح والإنتصار . وإنما يخرج هذا الجندي باعتبار الإضطرار ... لأنه لو رفض ذلك عوقب بالقتل. فهو مخير بين قتل عاجل جازم لو رفض أوامر القتال ، وبين قتل مؤجل أو محتمل لو باشر القتال ، فهو يخرج تقديماً لأحسن الفرضيتين على اسوئهما في مصلحته . ومثل هذا الجندي ، متى ما رأى ان من مصلحته ترك الحرب من دون أن يعاقب بالقتل ، كالهرب والإختفاء أو الإنتقال إلى معسكر الأعداء ، أو غير ذلك من الفعاليات ، فإنه لا يتوانى عن القيام بها . كما أنه لو رأى أن من مصلحته قبض الأموال للتجسس أو للقيام بالأعمال التخريبية ، فإنه لا يكون لديه أي مانع من القبول . وأي مانع لديه للإجهاز على حرب تهدده بالقتل ، بدون أن يفهم لها هدفاً أو أن يجد نحوها إخلاصاً . إذن ، فالمهم ، هو أن يجد الجندي ، وبالتالي الجيش كله الشعور بالمسؤولية تجاه الهدف من هذه الحرب. وكلما ازداد شهورهم وإخلاصهم ،وكلما ازداد عدد الشاعرين المخلصين في الجيش، كان فرص الفوز واحتمالات النصر أقرب لا محالة. الأمر الثالث : الإخلاص للقائد والإيمان بقيادته ، وبالتالي بذل الطاعة التامة له . وهي ليست طاعة عمياء ، لو كان الجندي شاعراً بالمسؤولية . بل ستكون طاعة واعية مبصرة وهادفة . فلو لم يكن الأمر كذلك ، بل كان الجندي عاصياً أحياناً أو يطلق لنفسه حرية المناقشة والطعن في قرارات وتطبيقات القائد ونحو ذلك ، فإن فرصة النجاح تتضاءل لا محالة ، لو كان في الجيش عدد مهم بهذه الصفة . الأمر الرابع : وهو شرط فيمن توكل إليه القيادة للجيش أو لبعضه ، وهو أن يكون خبيراً بما اوكل إليه من المهام عالماً بالصحيح من المصالح والمفاسد من النواحي العسكرية والإجتماعية والعقائدية ولكي لا يقع في الغلط المؤدي إلى التورط في المشاكل المهلكة . ومن هنا لا بد أن ننطلق إلى جيش الإمام المهدي (ع) قادة وجنوداً .. لكي نرى ما إذا كانت الخصائص الرئيسية للجيش العقائدي المخلص المنتصر متوفرة فيها أولاً ، وبأي أسلوب يمكن توفرها فيهم .
صفحة (346) وسيكون منهجنا فيما يلي أن نخص الجهة في نقل الأخبار الواردة في أوصافهم ، مما عدا ماذكرناه فيما سبق. ونخص ما بعدها من الجهات في الإستنتاج من هذه الأخبار وتمحيصها من سائر الأخبار . الجهة الثانية: في سرد الأخبار الدالة على أوصاف أصحاب االإمام المهدي (ع) من نواحي الإيمان والطاعة والشجاعة ، ونحو ذلك . وهي أخبار كثيرة ، نقتصرعلى نماذج كافية منها : أخرج القندوزي في الينايع (1) عن أبي بصير ، قال : قال جعفر الصادق رضي الله عنه : وما كان قول لوط (ع) لقومه :" لوكان لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد"(2) إلا تمنياً لقوة القائم المهدي وشدة أصحابه . وهم الركن الشديد ،فإن الرجل منهم يعطي قوة أربعين رجلاً .وأن قلب الرجل منهم أشد من زبر الحديد. لو مروا بالجبال لتدكدكت ، لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله عز وجل . وما أخرجه أيضاً (3) عن أبي نعيم عن الإمام الباقر رضي الله عنه ، قال: إن الله يلقي في قلوب محبينا وأتباعنا الرعب ، فإن قام قائمنا المهدي (ع) ، كان الرجل من محبينا أجرأ من سيف وأمضى من سنان . وأخرج السيوطي في الحاوي(4) عن نعيم بن حماد عن أبي جعفر قال: يظهر المهدي بمكة عند العشاء . إلى أن قال : فيظهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدد أهل بدر، على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف رهبان بالليل أسد بالنهار. إلى أن يقول : فليقي الله محبته في صدور الناس، فيصير مع قوم أسد بالنهار ورهبان بالليل .
(1) بنابيع المودة ص509 ط النجف (2) هود : 11 / 80 (3) ينابيع المودة ص 538 (4) ص144 _ 145 ج 2
|
||||
|
|||||