|
|||||
|
واخرج السيوطي في الحاوي(1) عن نعيم بن حماد عن ابن سيرين ، قال: لا يخرج المهدي حتى يقتل من كل تسعة سبعة . وأخرج النعماني(2) بسنده عن زرار قال : لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس . أقول : والمراد من هذا الأمر : ظهور المهدي (ع) . وأخرج الصدوق في إكمال الدين(3) والمجلسي في البحار(4) عن أبي بصير ومحمد بن مسلم قال سمعنا أبا عبد الله (ع) يقول : لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس . فقيل له : فإذا ذهب ثلثا الناس فما يبقى ؟ فقال (ع) : أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي . وأخرج الشيخ في الغيبة بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : كان أمير المؤمنين (ع) يقول : لا يزال الناس ينقصون حتى لا يقال: (الله) . فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه ..الخ الحديث حيث يتحدث عن كيفية اجتماع أصحاب القائم المهدي (ع) . وخبر ابن سيرين صريح في أن هذه القلة المتزايدة التي تصيب الناس ، إنما تكون بالقتل ، وهذا القتل الشامل للبشرية كلها لا يكون عادة لظلم ظالم معين أو لحروب محلية ، بل يتعين حصوله بحرب عالمية شاملة قوية التأثير .
(1) ج2 ص147. (2) ص146. (3) المصدر المحطوط. (4) ج13 ص156.
واختلاف هذه النسب المذكورة في الأخبار لقلة الناس ، دال على كونها على وجه التقريب لا التحديد .على انه يمكن الأخذ بأكبر النسب وهو تسع أعشار ، لأن الأخبار بذهاب الأقل لا ينافي الإخبار عن ذهاب الأكثر ....إذا كان الإخبار مربوطاً بقانون ( كلم الناس على قدر عقولهم) . وقد يمكن ضرب هذه الكسور ببعضها و يكون الناتج هو الباقي من الناس . فلو ضربنا التسع الباقي بعد ذهاب تسعة أعشار ، بالثلث الباقي بعد ذهاب الثلثين ،كان الناتج أن الباقي من البشر واحد من سبع وعشرين . فلو ضربنا ذلك بالتسعين الباقيين بعد ذهاب : من كل تسعة سبعة وكان الناتج واحداً من مئة وأحدى وعشرين تقريباً ، يكون هو الباقي من البشر ، وهذا الضرب ممكن إلا انه لا يخلو من استبعاد في الذهن لأول وهلة والله العالم . ونوكل إلى القارىء القناعة بأي من هذه النتائج التي عرضناها . وهذا الهلاك العظيم الواقع على الناس ، مهما كانت نسبته ،وإن أمكنت له عدة تفسيرات ، إلا أنه لا يكون –عادة ـ إلا نتيجة للحرب المدمرة الواسعة الإنتشار ،فإن الوباء وأشباهه من المبيدات ، التي لا يستوعب البشرية كلها عادة ولا يذهب بهذه النسبة العالية من الناس ، وخاصة مع المستوى الطبي اللائق الموجود في الأزمنة الحديثة . إذن فالسبب الأهم لذهابهم ليس إلا الحرب العامة . وعلى اي حال ثبت المنطق الثاني من الضمان الثاني ، وهو تلف الأسلحة بحرب ضروس شاملة ، لا تتلف الأسلحة فقط، بل الناس أيضا. كل ذلك لكي يظهر الإمام المهدي (ع) على أرضية سهلة من البشر ، غير قادرة على المقاومة الشديدة عسكرياً ولا فكرياً ، ولا تشكل خطراً حقيقياً على الثورة المهدوية . لكي تكون سيطرة المهدي (ع) على العالم بأقصر مدة وأقل جهد أمراً ممكناً وصحيحاً . ولا ينبغي أن نتجاوز هذا الموضوع قبل أن نعرض بعض الأسئلة التي قد ترد على الذهن ، ونحاول الجواب عليها . السؤال الأول: إن الحرب العالمية الرهيبة إذا حدثت ، سوف لن يقتصر القتل فيها على الكفرة بل يعم المسلمين لا محالة ، ومعه قد يقتل من أصحاب الإمام المهدي (ع) المعدين لنصرته بعد ظهوره جماعة ، أو قد يقتلون كلهم ، ومعه يكون الظهور متعذراً لما عرفناه من أن وجود العدد الكافي من الجند والقادة لغزو العالم بالعدل أمر ضروري للإنتصار على العالم .
فإذا تعذر الإنتصار لم يكن للظهور فائدة ، وكان متعذراً أيضاً . فتكون هذه الحرب موجبة لتأخر في الظهور، وانخرام شرطه بدلاً عن أن تكون في صالحه . ولعلنا لو قلنا بأن الباقي من البشرية هو نسبة الواحد إلى المئة والواحد والعشرين ...كان هذا الإيراد صحيحاً ... وكان من الصعب القول بأن أصحاب المهدي (ع) كلهم سيكونون من الباقيين ،وخاصة إذا توسعنا أكثر إلى الثلاثمائة والثلاثة عشر إلى المخلصين من الدرجتين الثانية والثالثة . فإن المحافظة عليهم تحتاج إلى عناية خاصة تشبه المعجزة : وبذلك تكون الحرب العالمية التي تسبب هذه القلة العظيمة في البشر ، ضد مصلحة الظهور ، وليست إلى صالحه . إلا أن هذه الفكرة غير صحيحة ، بمعنى أن الحرب لا تكون مضرة بالظهور حتى على هذا المستوى .وذلك لأمرين : الأمر الأول : إننا – على أسوأ تقدير – يمكن أن نفترض تساوي نسبة الفناء في البشر ين جميع اصنافهم سواء من اصحاب ألإمام أو غيرهم ، فإذا كانت البشرية ذات العدد الكبير تحتاج إلى ثلاثمائة ونيف من القواد، فمن المنطقي أن البشرية القليلة العدد ، تحتاج إلى قادة أقل، وكلما قلت نسبتها قلت حاجتها إلى القواد .فإن النسبة بين عدد البشر وعدد الجيش المهدوي تبقى ذاتها مهما صغر الرقم . الأمر الثاني : لو تنزلنا – جداً عن الأمر الأول وفرضنا أن الحرب العالمية التي تسبب القلة العظيمة مضرة بمصلحة الظهور ، إذن ونستطيع أن نعرف بالأدلة الدالة على حصول الظهور وانتصار الإمام (ع) وكون ذلك هو الهدف من خلق البشرية ، تعرف أن هذه القلة لن تحصل في أنصار الإمام (ع) إما لأن الحرب نفسها لن تحصل وإما لأنها لا تكون موجبة لقلة البشر بهذا المقدار . وإما أن توجب قلة البشر الآخرين مع المحافظة على هؤلاء بعناية وتأييد خاص ، ناشيء من تأييد هدفهم الأعلى نفسه. إلا أن الإنصاف أن استنتاج هذه القلة العظيمة في البشر من هذه الأخبار بلا موجب . فإن الحاصل الناتج من ضرب الكسور لم يدل عليه خبر أصلاً . بل ولا الأخذ بأكبر الكسور وهو التسعة أعشار .فإن دلّ عليه خبر واحد لم تسنده الأخبار الأخرى ، فلا يكون قابلاً للإثبات .
|
||||
|
|||||