وتحتوي هذه الأخبار عالى نقاط قوة ونقاط ضعف.

أما نقاط القوة فثلاث :

النقطة الأولى : ان الوضع العام يكون واضحاً .وإرسال الجيش للقضاؤ على حركة المهدي (ع) في مهدها ، من قبل قوى الإنحراف والطغيان .... يكون معلوم الدوافع ، بخلاف محاولة القضاء على المهدي (ع) قبل ظهوره واتضاح دعوته، فإنه لا يكون واضحاً بهذا المقدار .

النقطة الثانية :أنه في صورة تقدم الخسف على الظهور ،يثور التسائل عن كيفية معرفة السفياني بالمهدي (ع) ليحاول الإجهاز عليه؟ كما سبق أن عرضناه وناقشناه، غير ان هذا السؤال يكون بلا موضوع مع تأخر الخسف عن الظهور .فإن السفياني سيتعرف على المهدي بظهوره وسيرسل عليه الجيش وهو عالم بحقيقته .

النقطة الثالثة : إن  الخسف سيصبح بعد الظهور بأيام قلائل ، هو المعجزة الرئيسية الكبرى التي تدعم حركة الإمام المهدي(ع) وتفهم الناس بكل صراحة عدالة دعوته وأحقية حركته .

وقد صرحت الروايات بتأثيرهذه المعجزة في النفس ( فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل  الشام  وعصائب أهل العراق ، فيبايعونه) ( وقالوا آمنا به ) " يعني بقائم آل محمد (وقد كفروا به) يعني بقائم آل محمد ".

بل إن معجزة الخسف ستؤثر في (السفياني) نفسه ، فتجعله قرب العاطفة من المهدي (ع) .الأمر الذي يسبب عدة نتائج أهمها : دخول العراق بدون قتال .

ففي خبر أخرجه السيوطي (1) عن نعيم بن حماد عن الوليد بن مسلم عن محمد بن علي يقول فيه :

فيقول الذي بعث الجيش حين يبلغه الخبر من ايلياء :لعمر الله ، لقد جعل الله في هذا الرجل عبرة .بعثت إليه ما بعثت فساخوا في الأرض .

إن في هذا لعبرة ونصرة .فيؤدي إليه السفياني الطاعة....الخ الخبر الذي يروي نقض السفياني للبيعة ومقتله.


صفحة (304)

ـــــــــــــــــ

(1) الحاوي ج2 ص146

 

وهذا الخبر واضح بأن بيعة السفياني للمهدي (ع) ، واتخاذه معه موقف الملاينة ،إنما هو نتيجة للخسف بجيشه .

وأما نقاط الضعف في تلك الأخبار ، أعني الدالة على تأخر الخسف عن الظهور :

النقطة الأولى : معارضة هذه الأخبار مع الأخبار الدالة بصراحة على وقوع الخسف قبل الظهور.

منها : ما رويناه في التاريخ السابق (1) عن غيبة النعماني عن أبي عبد الله (ع) أنه قال :

من المحتوم الذي لا بد منه أن يكون قبل قيام القائم : خروج السفياني وخسف بالبيداء .

وفي خبر آخر عنه  (ع) ... قال الراوي :قلت له :ما من علامة بين يدي هذا الأمر؟ فقال: بلى .قلت: وما هي؟ قال: هلاك العباسي .إلى أن قال  : والخسف في البيداء .

وهذا الأمر تعبير عن الظهور .  وبين يديه يعني قبله.

وفي خبر آخر عنه (ع) : "للقائم خمس علامات ،وعد منها : الخسف في البيداء .

أقول : و العلامة لا تكون إلا سابقة على الظهور ، كما هو واضح .

النقطة الثانية: معارضة هذه الأخبار بما دل من الأخبار بأن الخسف يحصل من اجل رجل او جماعة لاعدد لهم ولاعدة .إذ من الواضح أن الإمام المهدي (ع) بمجرد ظهوره سيكون له عدد وعدة ، لا تقل عن عشرة آلاف جندي.

أخرج مسلم (2) : أن رسول الله (ص)  قال:

"سيعوذ بهذا البيت  قوم ليس لهم منعة ولا عدد ولاعدة ، يبعث إليهم جيش، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم "أقول : وهذه صفة المهدي (ع) بل الظهور .


صفحة (305)

ـــــــــــــــــ

(1) انظرالأخبار الثلاثة في تاريخ الغيبة الكبرى ص600

(2) انظر الصحيح ج8 ص167

 

النقطة الثالثة :

معارضة هذه الأخبار بما دل من الأخبار المطولة الدالة على تفاصيل الحوادث ، والتي تنص على حدوث الخيف قبل الظهور .

أخرج النعماني في الغيبة (1) بسنده عن جابر الجعفي عن ابي جعفر محمد بن علي (ع) ، في حديث طويل قول فيه:

ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة . فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة ، فيبعث جشاً في أثره فلا يدركه حتى دخل مكة خائفاً يترقب على سنة موسى بن عمران .قال: وينزل أمير جيش السفياني بالبيداء. فينادي مناد من السماء : يا بيداء أبيدي القوم ، فيخسف بهم ...قال: والقائم يومئذ بمكة قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً ..الخ الحديث الذي يستمر في نقل خطبته (ع) .

وأخرجه المجلسي في البحار(2).وهو واضح – على الأقل ـ عدم تأخر الخسف عن الظهور .

ومع وجود هذه الروايات  تكون الأخبار الدالة على تأخر الخسف عن الظهور ، ساقطة عن قابلية الإثبات في هذه الجهة . ولكننا مع ذلك لن نخسر نقاط القوة السابقة التي ذكرناها لها .

أما النقطة الأولى : فلأن عزم السفياني على قتل المهدي (ع) لن يكون بصفته مهدياً ،بل بصفة أخرى يشعر معها السفياني بأن المهدي بتلك الصفة شخص متمرد عليه ثائرعلى نظامه ، فينبغي الإجهاز عليه .

وهذا الوضع طبيعي وواضح ، من موقف الإنحراف تجاه الحق وأهله دائما .ولا يلزم من ذلك ان المهدي (ع)  حال غيبته يكون قد قام بحركة واسعة ضد السفياني ....  ذلك مخالف لفكرة غيبته .إلا أن نفس وجود المهدي (ع)  بالصفة الأخرى هادياً للناس يثير حقد  السفياني ضده وتخيله بالتمرد عليه .


صفحة (306)

ـــــــــــــــــ

(1) ص149 وما بعدها  

(2) ص146 ج13

 

وأما النقطة الثانية : قد سبق أن بحثناها مفصلاً .وعرفنا ان السفياني لن يعرف المهدي (ع) بصفته الحقيقية، بـ(شخصيته الثانية) التي يتصف بها في ذلك العصر من عصور غيبته .

وأما النقطة الثالثة : فباعتبار أنه من الواضح أن كون الخسف معجزة صريحة ، وعلنية تقع إلى جانب المهدي(ع) فتثبت عدالة دعوته ،لا يفرق الحال فيه بين أن يكون الخسف متأخرا عن الظهور بأيام أو متقدماً عليه بأيام .

فإن تقدمه على الظهور يكشف للناس: أن هذا الذي وقع الخسف من أجله ، هو المهدي (ع) ، وهذه المعجزة تشارك في إثبات حصانته عن الكذب والتزوير ، عند إلقاء الخطبة وأخذ البيعة ، وإلى نهاية الخط .

( الجهة الثالثة والرابعة الخامسة حذفت من المسودة )


صفحة (307)