|
الجهة الأولى : اهمية
هذا الموضوع .
يكتسب هذا الموضوع
أهميته ، من أهمية البحث حول المهدي (ع) ككل .من حيث كون هذا التاريخ حقلاً من
حقوله وشعبة من شعبه .
ومن المعلوم أن الفكرة
المهدوية عند كل قائل بها ومؤمن بصدقها ، تقوم على أساس كون المهدي هو مصلحة
العالم في المستقبل ، وهو الذي يقلب الظلم إلى العدل ، ويحول الظلام إلى نور
ويحقق الرفاه و السعادة لكل فرد على وجه الأرض .
فمن الحق أن يطمع الفرد
إلى التعرف على تصرفات هذا المصلح العظيم في يومه الموعود ، وعلى أسلوبه
وسياسته وطريقته في التدبير و القيادة .
وأن هناك العشرات من
الأسئلة تنبثق حول ذلك ، وخاصة بعد أن يعاصر الفرد الحياة الحاضرة بما فيها من
تعقيد اجتماعي وتنظيم دولي وسياسي . فهل سيكون للمهدي المصلح نفس هذا التنظيم
بحقوله العديدة ،أو أنه سيتخذ للعالم وجهاً آخر ويبينه بيده على شكل جديد ؟
فإذا استطاع هذا البحث
أن يزيل الغموض ، ولو عن بعض هذه الأسئلة ويقرب جوابها إلى الذهن إلى حد كبير
، فهو غاية المطلوب .
إذن
، فالحديث عن (
تاريخ ما بعد الظهور ) يعني التعرف على يوم الإصلاح العام على يد القائد
المنتظر ، وهو يعني – بكل صراحة – التعرض إلى النتائج النهائية التي تتبناها
الفكرة المهدوية ككل ، ووصف البشرية المثلى في مستقبله السعيد .
والتعرض إلى هذا
التاريخ ، لا يتوقف على الإيمان بأطروحة مهدوية معينة . هي الأطروحة الإمامية –
مثلاًً – التي تؤمن بالغيبية الطولة للمهدي الموعود إذ يكون في الإمكان أن يقوم
بمثل هذه الأعمال التي سنذكرها له بعد ظهوره و سواء كان غائباً في الفترة
السابقة على ظهوره أم لم يكن (1) ومن هنا يكون لهذا البحث فائدة شاملة لكل
المسلمين بصفتهم مؤمنين بفكرة المهدي . بل يكون لها أثر قريب بالنسبة إلى غير
المسلمين ممن يؤمن بالمصلح المنتظر .
وتنبثق أهمية هذا البحث
مرة أخرى ، في محاولة تصفية ما قيل أو يقال في تحديد ما سوف يحدث يوم الظهور
وبعده، مما قد يكون مشوهاً بالأساطير ، ومحاولة الإقتصار على إثبات ما قام
عليه الدليل ، ورفض أي أمر آخر.
صفحة (6)
ــــــــــــــــــ
(1) هذا بحسب التصور، بغض النظر عما قلناه في تأريخ الغيبة
الكبرى (ص501) وما بعدها من البرهان على تأثير الغيبة الطويلة على جانب تكامل
القيادة لديه, وتعميق العادلة في اليوم الموعود.
وتنبثق فائدة هذا البحث
من زاوية ثالثة ، من البرهنة على الإرتباط العضوي الوثيق بين يوم العدل الموعود
، وبين الساس العام الذي يقوم عليه الكون وأهدافه الكبرى التي خلق من
أجلها .تلك الأهداف التي كانت تطبيقات من مفهوم العدل العام ،والتي سار عليها
التكوين والتشريع ، واضطلع بالسير على طبقه موكب الأنبياء والشهداء والولياء والمصلحين على مدى التاريخ .
وسيظهر بجلاء، أن يوم
الظهور ليس تاريخاً طارئاً أو قدراً مرتجلاً، وانما هو في واقعه النتيجة
الطبيعية الكبرى التي أرادها الخالق الحكيم في تخطيطه العام …و التي شارك في
إعدادها الأنبياء وبذلت في سبيلها التضحيات على مدى التاريخ .
والفائدة الرابعة:
وليست الأخيرة هي أن الفرد بعد اطلاعه على هذا التاريخ ، يستطيع أن يحمل فكرة
كافية عن أوصاف المهدي وأعماله عند ظهوره ومما يوفر الدليل الكافي بأن يعرف :
أن مدعي المهدوية هل هو المهدي الموعود قائد العالم ، أو أنه رجل مبطل كذاب .
فإن الفرد قد يواجه في
غضون حياته أو يقرأ في التاريخ دعوات مهدوية متعددة ،فلا يحار في مبدا الأمر في
تصديقها وتكذيبها ، إن كان ممن يؤمن بالفكرة المهدوية أساساً ، فلا يعلم أن هذا
هو المهدي المنتظر أو غيره.
وهذه المشكلة وإن
استطاع الفكر الإسلامي أن يذللها عن طريق البرهان العقائدي . إلا أنه بغض النظر
عن ذلك، نستطيع أن نذللها عن طريق الدليل التاريخي … وذلك بمحاولة تطبيق
الصفات الثابتة تاريخياً للمهدي الموعود على مدعي المهدوية . فإن كانت ثابتة
له . إذن فهو على الحق ، وهو المهدي الموعود .
وهذه جهة بطبيعتها مهمة
لكل معتقد بالفكرة المهدوية . فإنه من المؤسف حقاً ومن المحرم دينياً ، أن يكون
المهدي حقيقياً ثم لا يستطيع الفرد التعرف عليه . أو أن يكون المدعي كاذباً ثم
لا يستطيع الفرد معرفة كذبه ، وإنما ينحرف بإتجاهه وينجرف بتياره . فلا بد ان
يكون للفد محك عقائدي وميزان تاريخي في التعرف على رفض من يرفض وقبول من يقبل .
وقد وفر الإسلام كلا الجانبين . وما هو محل كلامنا الآن هو الميزان التاريخي .
صفحة (7)
|
|