|
||
|
فلم يعد المهدي " عليه السلام " فكرةٌ ننتظر ولادتها ، ونبوءةٌ نتطلع إلى مصداقها ، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته وانساناً معيناً يعيش بيننا بلحمه ودمه نراه ويرانا ، ويعيش مع آمالنا وآلامنا ويشاركنا احزاننا وافراحنا، ويشهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بكل ذلك من قريب أو بعيد ، وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها ان يمدَّ يده إلى كل مظلوم وكل محروم ، وكل بائس ويقطع دابر الظالمين . وقد قدِّر لهذا القائد المنتظر أن يعلن عن نفسه ، ولا يكشف للآخرين حيانه على الرغم من أنه يعيش معهم إنتظاراً للحظة الموعودة . ومن الواضح ان الفكرة بهذه المعالم الإسلامية ، تقرِّب الهوة الغيبية بين المظلومين كل المظلومين ، والمنقذ المنظر وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيراً مهما طال الانتظار .
صفحة (18) ونحن حينما يراد منا أن نؤمن بفكرة المهدي بوصفها تعبيراً ، عن انسان حي محدد يعيش فعلاً كما نعيش ويترقب ، كما نترقب ، يراد الايحاء إلينا بأن فكرة الرفض المطلق لكل ظلم وجور التي يمثلها المهدي ، تجسدت فعلاً في القائد الرافض المنتظر ، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم كما في الحديث ، وان الايمان به ايمان بهذا الرفض الحي القائم فعلاً ومواكبة له. وقد ورد في الاحاديث الحث المتواصل على انتظار الفرج ، ومطالبة المؤمنين بالمهدي ان يكونوا بإنتظاره . وفي ذلك تحقيق لتلك الرابطة الروحية ، والصلة الوجدانية بينهم وبين القائد الرافض ، وكل ما يرمز اليه من قيم ، وهي رابطة وصلة ليس بالامكان ايجادها ما لم يكن المهدي قد تجسد فعلاً في انسان حي معاصر .
ولكن التجسيد المذكور أدى في نفس الوقت إلى مواقف سلبية تجاه فكرة المهدي نفسها ، لدى عدد من الناس الذين صعب عليهم ان يتصوروا ذلك ويفترضوه ، فهم يتساءلون! إذا كان المهدي يعبر عن انسان حي ، عاصر كل هذه الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من عشرة قرون ، وسيظل يعاصر امتداداتها إلى ان يظهر على الساحة ، فكيف تأتى لهذا الانسان أن يعيش هذا العمر الطويل ، وينجو من قوانين الطبيعة التي تفرض على كل انسان أن يمر بمرحلة الشيخوخة والهرم ، في وقت سابق على ذلك جداً وتؤدي به تلك المرحلة طبيعياً الى الموت ، أو ليس ذلك مستحيلاً من الناحية الواقعية ؟
|
|