وعلى هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهدي " عليه السلام " لنجد أن عملية التغيير التي أعد لها ترتبط من الناحية التنفيذية كأي عملية تغيير إجتماعي أخرى بظروف موضوعية تساهم في توفير المناخ الملائم لها، ومن هنا كان من الطبيعي أن توقت وفقاً لذلك. ومن المعلوم أن المهدي لم يكن قد أعد لعمل اجتماعي محدود، ولا لعملية تغيير تقتصر على هذا الجزء من العالم أو ذلك ، لأن رسالته التي ادخر لها من قبل الله ـ سبحانه وتعالى ـ هي تغيير العالم تغييراً شاملاً ، وإخراج البشرية كل البشرية من ظلمات الجور إلى نور العدل ، وعملية التغيير الكبرى هذه لا يكفي في ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح وإلا لتمت شروطها في عصر النبوة بالذات، وإنما تتطلب مناخاً عالمياً مناسباً وجواً عاماً مساعداً يحقق الظروف الموضوعية المطلوبة لعملية التغيير العالمية .

 

صفحة (81)
 

فمن الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملاً أساسياً في خلق ذلك المناخ المناسب لتقبل رسالة العدل الجديدة ، وهذا الشعور بالنفاذ يتكون ويترسخ من خلال التجارب الحضارية المتنوعة التي يخرج منها إنسان الحضارة مثقلاً بسلبيات ما بنى مدركاً حاجته إلى العون ، متلفتاً بفطرته إلى الغيب أو إلى المجهول.

ومن الناحية المادية يمكن أن تون شروط الحياة المادية الحديثة أقدر من شروط الحياة القديمة في عصر كعصر الغيبة الصغرى على إنجاز الرسالة على صعيد العالم كله ، وذلك بما تحققه من تقريب المسافات والقدرة الكبيرة على التفاعل بين شعوب الأرض وتوفير الأدوات والوسائل التي يحتاجها جهاز مركزي لممارسة توعية لشعوب العالم وتثقيفها على أساس الرسالة الجديدة .

وأما ما أشير إليه في السؤال من تنامي القوى والأدة العسكرية التي يواجهها القائد في اليوم الموعود كلما أجل ظهوره ، فهذا صحيح .


صفحة (82)
 

ولكن ماذا ينفع نمو الشكل المادي للقوة مع الهزيمة النفسية من الداخل وانهيار البناء الروحي للإنسان الذي يملك كل تلك القوى والأدوات؟ وكم من مرة في التاريخ انهار بناء حضاري شامخ بأول لمسة غازية لأنه كان منهاراً قبل ذلك وفاقداً الثقة بوجوده والقناعة بكيانه والاطمئنان إلى واقعه.

 

 صفحة (83)
 

6. وهل للفرد كل هذا الدور !!

ونأتي إلى سؤال آخر في تسلسل الأسئلة المتقدمة وهو السؤال الذي يقول : هل للفرد مهما كان عظيماً القدرة على إنجاز هذا الدور العظيم ؟ وهل الفرد العظيم إلا ذلك الإنسان الذي ترشحه الظروف ليكون واجهته له في تحقيق حركتها ؟

والفكرة في هذا السؤال ترتبط بوجهة نظر معينة للتاريخ تفسره على أساس أن الإنسان عامل ثانوي فيه والقوى الموضوعة المحيطة به هي العامل الأساسي ، وفي إطار ذلك لن يكون الفرد في أفضل الأحوال إلا التعبير الذكي عن اتجاه هذا العامل الاساسي .

ونحن قد أوضحنا في مواضع أخرى من كتبنا المطبوعة أن التاريخ يحتوي على قطبين. أحدهما الإنسان ، والآخر القوى المادية المحيطة به.
 

صفحة (85)