أبيض نقياً من دم الإمام عليه السلام حتى لا يبوء بلعنة التاريخ وانتقام الأمة ،والمثل يقول : يكاد المجرم أن يقول خذوني ‍انظر إلى الأسلوب الطريف الذي نفيت به هذه التهمة  إن الدولة تستخدم شخصيتها وقوتها في (الفتوى) بنزاهتها، أمام هذا الجمع الغفير، وتتخذ من سكوت الجمع دليلاً على الموافقة. متغاضية عن أن شخصاً من هؤلاء لا يمكنه ، بأي حال ، أن يفتح فاه بأي اعتراض أو استنكار ، وإلا سيكون مصيره معروفاً لدى لجميع.

والأطرف من ذلك ، أن جميع الحاضرين ،وكل المجتمع متسالمون على ذلك في نفوسهم ، ويعلمون شأن هذه (الفتوى) إلا إنها الأسلوب الغريب الذي تلجأ إليه السلطات رغم كل ذلك .

 

وكانت هناك صلاة أخرى ...خاصة.. قد صليت على الإمام قبل ذلك في داره ...بعيداً عن المستوى الرسمي العام الذي سمعناه .. بين أصحابه ومواليه.

وهنا تبرز شخصية جديدة لم تكن قد برزت في التاريخ لحد الآن ، هي شخصية (جعفر بن علي) أخو الإمام العسكري وعم الإمام المهدي عليهما السلام ..وهو الذي سيكون له الأثر السيء في إثارة السلطة على عائلى الإمام عليه السلام على ما سوف نسمع في مستقبل الحديث.

يرى جعفر ان الإمام العسكري(ع) سوف لن يكون له خلف ظاهر ورريث واضح ، إذن فهناك فرصة موسعة للإصطياد بالماء العكر .

 

 صفحة (295)

 

ولا بد – في نظره – من استغلال هذه الفرصة للوصول إلى التزعم على القواعد الشعبية الموالية لأخيه ، واستقطاب الأموال التي كانت ولا تزال تحمل إليه من أطراف البلاد الإسلامية ،والحصول على إرث أخيه  العسكري عليه السلام . ويتم كل ذلك بإدعاء الإمامة بعد أخيه .. وأول مستلزمات ذلك وأقربها هو أن يباشر الآن الصلاة عليه.

ومن ثم نجد الإمام العسكري (ع) بعد وفاته ، وقبل إخراجه للجمهور ، مسجى في داره .وجعفر بن علي واقف على باب الدار يتلقى من موالي أخيه التعزية بالوفاة والتهنئة بالإمامة ،وهو مرتاح له كأنه هو الوضع الطبيعي. ولا يخفى أن إجمال الفكرة في أذهان هؤلاء من حيث وجود ولد عند الإمام وعدم وجوده ..ساعد على هذا الإيهام إلى حد كبير .وقد عرفنا أن الظروف القاسية التي عاشها الإمام عليه السلام لم  تكن مساعدة بأي حال على إيضاح الفكرة وإبلاغ المفهوم إلى سائر القواعد الشعبية في العاصمة وغير العاصمة .

ولكنا سنسمع بعد قليل مخطط جعفر بن علي قد مات في مهده ولم يكتب له النجاح .واستطاع الإمام المهدي أن يستقطب عواطف وقيادة مواليه ..أما مباشرة أو عن طريق نوابه وسفرائه على ما سنعرف.

 

 صفحة (296)
 

وبعد قليل يخرج عقيد  الخادم ، الذي سمعنا اسمه في حادثة الوفاة . ويقول له : يا سيدي قد كفن أخوك ، فقم للصلاة عليه فيدخل جعفر ويدخل جماعة من الشيعة يقدمهم عثمان بن سعيد  العمري المعروف بالسمان ، الذي سيصبح النائب الأول للإمام الغائب فيرون الإمام العسكري صلوات الله عليه على نعشه مكفناً .فتقدم جعفر بن علي ليصلي على اخيه.

وإذ صلى جعفر ، فقد  اكتسب في نظر المجتمع بعض الحق ،ووضع لبنة أساسية في مخططه ، وحصل على سابقة قانونية يمكنه أن ينطلق منها للتغرير بجماهير الموالين ،وهو ما لا يمكن أن يحدث مع وجود الإمام المهدي (ع) وقدرته على الأخذ بزمام المبادرة لدفه هذه الشبهة ، ورفع البدعة ،وإنقاذ مواليه من التورط بغير  الحق من حيث لا يعلمون.

إذن فلا بد أن يبادر الإمام المهدي (ع) إلى منع عمه عن الصلاة على الإمام (ع) ويحرمه من هذه ( السابقة القانونية)، ويجوز هذه السابقة لنفسه ،وهو أحق بذلك ..لكونه الإمام بعد أبيه والوريث الشرعي له .ومن ثم يشاهد الواقفون صبياً يخرج بوجهه سمرة بشعرة قطط بأسنانه تفليج ، فيجذب رداء جعفر بن علي ويقول له: تأخر يا عم ، فأنا أحق بالصلاة على أبي . فيتأخر جعفر ، من دون مناقشة، وقد اربد وجهه وعلته صفرة ، ويتقدم الصبي عليه السلام ، ويصلي على أبيه(1).

ـــــــــــــــــــ

(1) إكمال الدين (المخطوط)


 
صفحة (297)