ولكن السلطة القائمة ، إذ تريد أن تطارد المهدي المنتظر في شخص المولود الجديد ، لا بد لها من امرين : أولاً: ان تعرف ولادته. أذ مع الغفلة عنها، لا يمكنها بطبيعة الحال ان تجرد المطاردة الفعلية الحقيقية ضد المولود. وثانياً : ان تعرف شخصه بإسمه . إذ بدونه لا يمكن ان تحارب فيه المهدي المنتظر . لإحتمال أن يكون المهدي هو ولد آخر للإمـام العسكري (ع) لعله ولد ولم يولد بعد –  فيما تحتمله السلطة  – وهي ليس لها غرض معين إلا ضد المهدي المنتظر على وجه التعيين .

مضافاً إلى وضوح ان الاسم يكسب الفرد شخصيته القانونية والاجتماعية التي يمكن أن تعين ويشار اليها به . وأما مع الجهل به إلى جانب الجهل بشكله أيضاً ، فيكتسب بذلك نحواً من الغموض وعدم التعيين ، في ذهن السلطات ، فتحار عند التحث عنه ، انها تبحث عن أي شخص على وجه التحديد . وهذا الغموض – على أي حال – يعطي المهدي المبحوث عنه رهبة في صدورهم وهالة قدسية في احساسهم وشعوراً بالعجز تجاهه. وفي هذا ما فيه من التسبب إلى ضعف معنويات السلطة وخاصة الجنود الفاحصين المطاردين من قبل الدولة .

وطبقاً لهذا التكليف الثاني .. سمعنا الامام الهادي عليه السلام حين يبشر بحفيده المهدي (ع) يقول : لانكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره بإسمه . قال الراوي فقلت : فكيف نذكره؟ قال : قولوا : الحجة من آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

 

صفحة (277)

 

ونسمع عثمان بن سعيد العمري ، وهو الوكيل الأول للحجة (ع) يقول لمن يسأل عن اسمه :اياك ان تبحث عن هذا (1) . ويقول لآخر : نهيتم عن هذا(2) . وفي حادثة مشابهة يقول : ابنه الوكيل الثاني محرم عليكم أو تسألوا عن ذلك. ويضيف : ولا أقول هذا من عندي وليس لي ان احلل واحرم ، ولكن عنه عليه السلام يعني الحجة المهدي (ع). ولكننا لا نجد نهياً عن التسمية وارداً عن الامام العسكري عليه السلام ، وهذا له سبب نقوله في مستقبل البحث ان شاء الله تعالى .

والذي أود ايضاحه في هذا الصدد ، أن هناك احتمالاً راجحاً تؤكده الحوادث ، هو ان المراد من كتم الاسم كتم الشخص نفسه واخفاء ولادته عمن لا ينبغي أن يصل اليه الخبر. وعليه فهناك تكليف واحد بالكتمان متعلق بالولادة والأسم معاً ، بإعتبارهما يعبران عن معنى أصيل واحد . وليس المراد بكتمان الاسم حرمة التصريح به مع غض النظر عن حرمة التصريح بولادته المحافظة عليه بشكل عام .

ومن ثم نرى أن من يضطلع ببيان ذلك هو عثمان بن سعيد دون المام العسكري عليه السلام . وذلك : لما سنسمعه من ان السلطات بعد ان أيست من العثور على الوريث الشرعي للامام العسكري ، قررت الجزم بعدم وجوده اساساً ، وتقسيم ميراث الامام بين الورثة الآخرين .

ــــــــــــــــــ

(1)  النظر الاكمال المخطوط .   (2) الغيبة ص 215 .

(3)  المصدر ص 219 .


صفحة (278)

 

وبذلك اسقطت السلطة وجود الحجة المهدي عليه السلام من حساب قانونها وغضت النظر عنه بالكلية . وان كانت المخاوف تبقى تعتمل في نفسها على ما سنسمع . ومن المعلوم والحال هذه ان أي تصريح جديد بإسم المهدي (ع) أو تلويح بشخصه أو تأكيد على ولادته ، سوف يثير من جديد التفات السلطات وتجديدها للمطاردة والبحث . وهذا هو الخطر الذي كان قد ابتعد عن الامام إلى حد كبير بعد يأس الدولة من العثور عليه .ومن هنا تأتي التأكيدات من قبل عثمان بن سعيد في هذا الزمن المتأخر نسبياً بالنهي عن التسمية .. فهو تارة يقول : أياك ان تبحث عن هذا . فإن عند القوم ان هذا النسل قد انقطع(1) والمراد بالقوم الحكام وبهذا النسل الأئمة عليهم السلام . ويعلله في رواية اخرى قائلاً : فإن الأمر عند السلطان ان ابا محمد (ع) مضى ولم يخلف ولداً وقسم ميراثه ، واخذه من لاحق له. وصبر على ذلك (2) . إلى غير ذلك من التأكيدات التي سنبينها في فترتها التاريخية الخاصة.

ومن الواضح ان اثارة السلطات من جديد لا يفرق فيه بين ذكر اسمه أو مولده ، أو التعرض لأي شأن من شؤونه.

وأما الامام الهادي عليه السلام ٍ، فالمظنون أنه يشير إلى خصوص هذه الفترة التاريخية ، أو اليها وإلى ما بعدها إلى انتهاء زمان الغيبة الصغرى ، فإن التصريح بإسمه والإخبار عن ولادته ووجوده ، كان خطراً عليه في مثل تلك الأزمنة .

ـــــــــــــــــــ

(1)  انظر الاكمال المخطوط .

(2) غيبة الشيخ الطوسي ص 147 .


صفحة (279)