|
||
|
لكي يجب ويرسم معالم شخصيته لكي تبقى واضحة المعالم في اذهان مؤرخيه ، بل ان العبد حين يجلب، يعجز العربي عن نطق اسمه الأصلي غالباً ، لقيامه على لغة اجنبيه لا يقوى على تلفظ كلماتها ،، وهو لا يهتم بأن بصنع لعبده أو أمته أسماً معيناً ، وانما حسبه ان يدعوه باللغة العربية بأي لفظ جرى على لسانه ، ومن هنا تكونت عادة في ذلك المجتمع ، باسباغ عدة اسماء على العبيد ، فكان ان اخذت اسرة الامام العسكري (ع) بهذه العادة ، واسبغت على هذه الجارية عدة اسماء ، حتى اننا رأينا الاسرة اذ وجدت ان اثر الحمل لا يظهر عليها ، على ما سنسمع ، لم تتحاش عن إسباغ اسم جديد عليها ، هو صقيل. السبب الثالث : انها رضوان الله عليها عاشت تخطيطاً خاصاً ، في تبديل اسمها بين آونة واخرى ، ودعائها بعدة اسماء في وقت واحد أ، في اوقات مختلفة ، عاشت ذلك منذ دخلت هذه العائلة الكريمة ، لأنها ستصبح أماً للمهدي (ع) وسترى المطاردة والاضطهاد من قبل السلطات وستعيش في السجن مدة من الزمن ... اذن فيجب القيام بهذا المخطط تجاهها إمعاناً في الحذر وزيادة في التوقي عليها وعلى ابنها ، ولاجل أن يختلط في ذهن السلطات ان صاحبة أي من هذه الاسماء هي المسجونة وأي منها هي الحامل وأي منها هو الوالدة وهكذا ... حيث يكون المفهوم لدى السلطات كون الأسماء لنساء كثيرات ، ويغفلون عن احتمال تعددها في شخص امرأة واحدة .
وهذا الاحتمال الثالث ، هو – بلا شك – الاحتمال الراجح في ام المهدي ( ع ) . وإذ نريد ان نعرف أول مالك لهذه الجارية من اسرة الامام عليه السلام .. تواجهنا فرضيتان ، بإعتبار اختلاف الأخبار الواردة عن ذلك ، اجدهما : انها كانت ملكاً للامام الهادي عليه السلام ، وثانيتهما : انها كانت ملكاً لحكيمة اخت الهادي رضي الله عنها ، ولكل من الفرضيتين خبر وقصة ... الفرضية الاولى : انها دخلت أولاً في ملكية الامام على الهادي (ع)، وهو الذي قام بتزويجها لابنه العسكري عليه السلام . وذلك : ان الامام عليه السلام حين يريد ان يحصل على زوجة اينه : ام المهدي (ع) ، يدعو نخاساً من بائعي العبيد موالياً له قد علمه أحكام الرقيق وفقهه في تجارته، يدعى بشر بن سليمان النخاس ... يدعوه فيأمره بالسفر من سامراء إلى بغداد ويحدد له الزمان والمكان والبائع ، ويصف له الجارية وبغض سلوكها ، فمن ذلك: انها تمتنع من السفور ولمس من يحاول لمسها ، وإذ يضر بها النخاس ، تصرخ بالرومية صرخة ، قال الامام : فاعلم انها تقول : واهتك ستراه! .. ومن ذلك:انها تنطق العربية بطلاقة ويعطيه الامام عليه السلام صرة من النقود وكتاباً ملصقاً بخط رومي ولغة رومية ومختوم بخاتمه الخاص.
صفحة (244) ويذهب بشر النخاس إلى بغداد ويشاهد كل ما حدده له الامام ، ورآه تدفع عن نفسها المشترين بضراوة قائلة لأحدهم : لو برزت في زي سليمان وعلى مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رعبة .. فأشفق على مالك ، فيقول بائعها النخاس: فما الحيلة ولا بد من بيعك ، فتقول الجارية : وما العجلة ، ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلى أمانته ، وهنا يقوم بشر إلى بائعها ويقدم له الكتاب ويأمره بدفعه إلى الجارية قائلاً : انه لبعض الاشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه ، فناولها لتتأمل منه اخلاق صاحبه فإن مالت اليه ورضيت به فانا وكيله في ابتياعها منك، وقد جرى كل ذلك بحسب وصف الامام وامره وتخطيطه. وإذ تقرأ الكتاب ، ينقلب منها الحال انقلاباً عجيباً ، فتبكي بكاء شديداً ، وتقول لبائعها : بعني من صاحب هذا الكتاب ، فإن امتنعت قتلت نفسي ، وتحلف بالايمان المحرجة المغلظة على ذلك ، واذ يرى بائعها ذلك يطلب من بشر النخاس ثمناً كبيراً ، فتطول المعاملة بينهما حتى يستقر الثمن على مقادار ما في الصرة التي حملها من الامام ، فيعطيه للبائغ ويستلم الجارية ، ويذهب بها إلى الحجرة التي كان يأوي اليها في بغداد . وإلى هنا رأينا في هذه الجارية أربعة أوصاف يندر وجود واحد منها فضلاً عن المجموع في جارية مسبية حديثة العهد بهذا المجتمع ، وكل منها جار على خلاف السلوك الاعتيادي للعبيد ، فهي : أولاً : تنطق العربية بطلاقة ، وثانياً : تمتنع من السفور وتتحاشى يد اللامس ، وثالثاً ترفض أي مشتر يتقدم لشرائها، وتقترح على بائعها أن تعين هي مشتريها لأجل أن يسكن قلبها إلى أمانته .
صفحة (245)
|
|