ولم تكن الأطراف القريبة من العاصمة ، بأحسن حالاً من الأطراف البعيدة . فقد كانت أيضاً مسرحاً لمصالح العمال والقواد من ناحية ، ومسرحاً لنشاط الخوارج والزنج ثم القرامطة على ما نشير إليه ، من ناحية ثانية .

فمكة والمدينة ، كانت تتعرض أحياناً للمصطادين بالماء العكر. فقد أصبحت المدينة عام 230هـ وما بعده، مسرحاً لغارات الأعراب المجاورين ، حتى ناجزهم بغا الكبير القتال(1) . وقتل عام 251هـ ثلثمائة رجل من مكة وغلت الأسعار فيها بسبب شغب مشابه (2) .

و أما لو راقبنا سوريا في تلك الفترة ، بما فيها حمص وحلب ودمشق ، لوجدناها مسرحاً للاطماع وساحة للقتال . ففي عام 227هـ في أول خلافة الواثق ، كانت دمشق مسرحاً لعصيان مسلح ، انتج قتل ما يقارب الألفي شخص ، من جيش الخليفة والثائرين(3) . وفي عام 240هـ وما بعده ، كانت حمص مجالاً لسوء تصرف العمال والولاة ، مما أوجب ثورة الأهالي واضطرابهم (4) . وتكررت عين المشكلة عام 250هـ.

ــــــــــــــــــــــــ

(1)    الكامل جـ 5 ص 270 .    (2)    المصدر ص 330 .

(3)    الكامل جـ 6 ص 56 .     (4)    الكامل جـ 5 ص 293 و 294 .


صفحة (67)

 

إلا أن هذا العصيان كان أكبر من سابقه ، فوجه المستعين إليها موسى بن بغا فحاربها ، وقتل من أهلها مقتلة عظيمة ، وأحرقها وأسر جماعة من أعيان أهلها (1) .

ولم تسلم سوريا حتى بعد أن احتلها أحمد بن طولون ، عام 264هـ (2) من الحروب . إذ بمجرد أن توفى ابن طولون عام 270هـ(3) تحركت نحوها الأطماع ، استضعافاً واستصغاراً لخلفه ابنه خمارويه . فسير إليها أبو طلحة الموفق بن المتوكل ، قائدين من قواده الموالى ، وهما : اسحاق بن كندايق وابن أبي الساج ، لاحتلاها ، فدخلوها وفتحوا دمشق بعد قتال عظيم (4). فسار إليها خمارويه بنفسه من مصر واحتلها مرة أخرى بقتال جديد (5) . وتكرر القتال عام 274هـ و 275هـ (6) .

وإذا نظرنا إلى الموصل وما حواليها من البلدان ، ومن في تلك المنطقة من الأكراد ، لم نجدهم أقل بلاء من سائر بلاد الإسلام . فقد تعرضت عام  253هـ لقتال ونهب(7) وفي عام 260هـ تعرضت لتعسف العامل عليها من قبل الخليفة ،  وهو اذكوتكين التركي ، فإنه اظهر الفسوق وأخذ الأموال ،

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1)    المصدر ص 318 .         (2)    المروج جـ 4 ص 123 .

(3)    الكامل جـ 6 ص 56 .   (4)    المصدر والصفحة .

(5)    المصدر ص 58 .           (6)    المصدر ص 62 .

(7)    الكامل جـ 5 ص 336 .


صفحة (68)

 

 فقاتلوه قتالاً شديداً حتى أخرجوه عن الموصل ونهبوا داره(1) وتعرضت في العام الذي يليه لحروب أيضاً بسبب رفضهم لعاملين عينهما اساتكين التركي عن الخليفة ، واختاروا لهم عاملاً آخر (2) .

وتعرضت الأكراد لهجوم وصيف التركي عام 231هـ ، وحبس منهم نحو خمسمائة ، وحصل وصيف على هذا العمل ، جائزة مقدارها خمس وسعبون ألف دينار . وتعرضوا أيضاً لقتال موسى بن اتامش التركي عام 266هـ (3) . وفي عام 281هـ حاربهم الخليفة المعتضد بنفسه (4) .

ولعلنا نستطيع أن نعتبر هذه القلاقل جميعاً ، هدؤا نسبياً ، وبرداً وسلاماً ، إذا قسناه إلى الجحيم الذي أوجد صاحب الزنج على العراق في عهد سامراء ، والقرامطة في العهد الذي يليه ، على ما سنذكره .

الخامس: من خصائص هذا العصر ، وليست من مختصاته على كل حال ، هو وجود الخوارج ، وما يسببونه باستمرار من شغب وحوادث . فكان وجودهم شجى في حلق الدولة وحجر عثرة أمام اطمئنان الأمة .

ــــــــــــــــــــ

(1)    المصدر ص 371 .          (2)    المصدر ص 274 .

(3)    الكامل جـ 5 ص 273 .  (4)    الكامل جـ 6 ص 24 .

(5)    الكامل جـ 6 ص 77 . 

صفحة (69)