والذي أود ان أشير اليه: ان هذه الفكرة ، لا تنافي قوله تعالى: "كل نفس ذائقة الموت" . ولا تكون هذه الآية دليلاً على بطلانها. لأن الآية تعرب عن موت كل حي ، وهو ما يتحقق في الخارج حتى للمعصومين عليهم السلام قبل يوم القيامة على أي حال . وليس المدعي فيهم الخلود أو ضرورة الحياة ، وانما المدعي هو وجود قابلية الحياة لدى المعصوم ما لم يحدث حادث يوجب الموت. ومعه يكون تطبيق هذه الآية بالنسبة إلى المعصومين هو طرو الحوادث الني تودب الوفاة .

وعلى أي حال، فإن هذه الفكرة تحتاج إلى اثبات، ولم أجد في حدود تتبعي ، نصاً في الكتاب أو السنة يدل عليها. لكن قد يستدل لها بالرواية التي ذكرناها في الوجه الأول : ما منا إلا مقتول أو شهيد . إذا كان المستفاد منها عدم امكان موتهم إلا بطريق الشهادة والقتل .

كما قد يستشهد لهذه الفكرة بما روي عن الامام العسكري عليه السلام من قوله : ولسنا كالناس فنتعب كما يتعبون (1) بإعتبار ان ذلك انما هو لإجل توفر القوة البدنية بشكل غير متوفر في سائر الناس . ولازم ذلك ان الناس بقواهم العادية يكونون قابلين للموت ، واما إذا كانت هذه القوه العليا موجودة فيكون فيها مقتضى الحياة، ولا تكون قابلة للموت إلا بمؤثر خارجي وحادث طاريء .

ــــــــــــــــــــــــ

(1)   المناقب ج 2 ص 534 ورجال الكئسي ص 481 .


صفحة (232)

 

الوجه الثالث : لاستشهاد الائمة عليهم السلام . وهو وجه خاص بالمتأخرين منهم عليه السلام .

وذلك : نظراً إلى ان الامام الجواد والامام الهادي والامام العسكري عليهم السلام ، لم يكتب لهم أن يعمروا ، بل وافتهم المنية وهم في آبان شبابهم على اختلاف اعمارهم . فالامام الجواد كان له يوم قبض خمس وعشرون سنة واشهر(1) والامام الهادي له احدى واربعون سنة(2) والامام العسكري له ثمان وعشرون سنة (3) على ما عرفنا من تاريخ ولادته ووفاته. والغالب حتى في الفرد العادي، هو ان يعمر أكثر من ذلك ، خاصة في الامامين: الجواد والعسكري عليهما السلام . بل أن في عصرنا الحاضر من الشباب في هذا العمر من يعتبر نفسه غير خارج من دور الطفولة بعد!! ولو سألته عما بقي لديه من العمر لم يشك في كونه خمسون أو ستون سنة على أقل تقدير.

إذن فلماذا توفي هؤلاء الائمة بهذا العمر القصير؟ ليس لذلك إلا احد سببين: احدهما: المرض . والآخر : القتل من قبل السلطات . أما المرض فهو غير محتمل لأحد أمور ثلاثة :

الأمر الأول : انه غير منقول عن الامام الجواد والامام الهادي عليهما السلام ، وانما نقل قي الامام العسكري

(ع) انه كان معتلاً قبل وفاته على ما سوف نقول في حينه. ولكننا لم تحرز أن هذه العلة مستقلة عن الفعل التخريبي من قبل السلطات . اذ لعلها ناشئة من السم المدفوع اليه ، وهذا الاحتمال لا دافع له ، وهو المقصود.

ــــــــــــــــــــــــــ

(1)  الارشاد ص 307 .   (2)  المصدر ص 314 .

(3)  المصدر ص 325 .


صفحة ( 233 )
 

الأمر الثاني: انه إذا كان المرض القتل في إبان الشباب محتملاً في واحد بعينه ، فهو غير محتمل في ثلاثة ، كلهم يموتون صدفة بسبب مرض يصيبهم في زهرة العمر ، من دون سبب مشترك أو علة وراثية ونحو ذلك.

الأمر الثالث: القاعدة التي اعطيت في الوجه الثاني: القائلة بان جسم الامام غير قابل للتلف إلا بعارض خارجي. ولا أقل من إحتمالهما. فإذا بطل احتمال المرض ، غير المستند إلى التخريب ، بأحد هذه الوجوه أو جميعها ، تعين السبب الآخر للموت وهو وفاته شهيداً بيد السلطات الحاكمة يومئذ ، إذ ليس هناك سبب آخر محتمل كسقوط شيء عليه أو وقوعه من شاهق أو قتله بيد لص مثلاً ، فإن كل ذلك مما لم يقل به أحد .

وكلنا يعرف شأن السلطات الحاكمة يومئذ . فإننا بعد ان نحمل فكرة مفصلة عن ذلك ، من وقوف الأئمة عليهم السلام موقف المعارضة ضد انحرافات الحكام. ومن الحقد الوراثي عند الحكام ضد الخط الذي يمثله الأئمة عليهم السلام.وكانت كل مصادر القوة والسلاح ونفوذ الحكم بيد الخلفاء ولم يكن بيد الأئمة ولا أصحابهم شيء. وانما كانوا يمثلون دور المعرضة بشكل أعزل لا يراد به إلا العدل الاسلامي ورضاء الله عز وجل .


صفحة (234)