نعم ، غيبة المهدي ، من الناحية الكمية أشد من احتجاب ابيه وأكثر حذراً وابعد عن الناس . فالامام العسكري عليه السلام كان يراه جملة من الناس من أصحابه وغيرهم عند زيارته للبلاط ، على حين ان المهدي عليه السلام لا يراه إلا اقل القليل على طول التاريخ . كما ان الامام العسكري توفي ودفن بمشهد ومرأى من الجميع، على حين صمن المخطط الالهي طول العمر لإبنه المهدي عليه السلام. وكان الامام العسكري (ع) معروف الشكل والهيئة لدى الناس. وأما الحجة في غيبته الكبرى، من دون ان تحمل إي فكرة عن شكل المهدي وسحنته وهيئته وجسمه .. إلى غير ذلك من الفروق .


النقطة الثالثة : اتخاذه نظام الوكلاء :

ليس الامام العسكري (ع) أول من سن هذا النظام وانما كان موجوداً في زمان ابيه الامام الهادي (ع) وما قبله، وكان ذلك أحد الطرق الرئيسية لإتصالهم عليهم السلام بقواعدهم الشعبية وقضائهم لحوائجهم ، واتصال القواعد الشعبية بهم . وارسال الأموال ، والحقوق الاسلامية اليهم.

وحيث اتخذ الامام العسكري (ع) مسلك الاحتجاب الذي عرفناه كان إلى نظام الوكالة أقرب وله الزم، واتخذه بشكل يشمل أكثر الأمور أو جميعها ، مما يتصل بامور المجتمع حتى في داخل المدينة التي يسكنها الامام (ع) نفسها . فكانت عامة اتصالاته وتوقيعاته والأموال التي تصل اليه ، ما عدا القليل .. يتم عن طريق الوكلاء .

 

صفحة (226)

 

واعلى واهم من يندرج في هذه القائمة لمدى وثاقته وعظم شأنه: عثمان ين سعيد العمري الزيات أو السمان، الذي سيصبح الوكيل الأول لولده المهدي (ع). وانما يقال له السمان لأنه كان يتجر السمن تغطية على هذا الأمر ، يعني على نشاطه في مصلحة الامام عليه السلام . وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد (ع) ما يجب عليهم في الاسلام من الاموال ، نفذوا إلى ابي عمرو ، فيحعله في جراب السمن وزقاقه ، ويحمله إلى ابي محمد (ع) تقية وخوفاً ، وحماية للمال عن انظار الحاكمين ، لأنهم إذا عرفوه ، صادروه ، كما سمعنا ما فعله المتوكل في  الأموال التي علم وصولها إلى الامام الهادي (ع) .

وقد اثنى الامام الهادي والامام العسكري عليهما السلام على السمان ثناء عاطراً ، كقول الامام الهادي فيه : هذا أبو عمر والثقة الأمين . ما قاله لكم فعني يقوله وما أداه فعنى يؤديه(1) وقوله: العمري ثقتي فما أدى فعني يؤدي وما قال لك فعني يقول ، فاسمع له واطع . فإنه الثقة المأمون (2) .

وقول الامام العسكري (ع) فيه: هذا أبو عمر والثقة الأمين ، ثقة الماضي ، وثقتي في المحيا والممات . فما قاله فعني يقوله وما أدى اليكم فعني يؤديه (3) .

ـــــــــــــــــــــــ

(1) غيبة الشيخ الطوسي 215 .  (2) المصدر ص 219

(3)  المصدر ص 215  


صفحة (227)

 

وقوله في العمري وابنه محمد بن عثمان : العمري وابنه ثقتان ، فما أديا فعني يؤديان، وما قالا فعني يقولان. فسمع لهما واطعهما ، فإنهما الثقتان المأمونان . قال أبو العباس الحميري : فكنا كثيرأً ما نتذاكر هذا القول ، ونتواصف جلالة محل أبي عمرو (1).

وهذا الرجل الجليل وابنه ، سوف يكونان وكيلين عن الامام المهدي (ع) في غيبته الصغرى. ولن يكون ذلك نشازاً على الأذهان ، بعد ان كانا بهذه المنزلة والرفعة عند ابيه وجده عليهما السلام وعند الجماهير الموالية لهما.

وقد عرفنا ما لأبي هاشم داود بن القاسم الجعفري واحمد بن اسحاق الأشعري ، من عظم قدرهم لدى الامام العسكري (ع) ووثاقتهم عنده . وكانا يمارسان أعمال الوكالة عنده أيضاً كما تدل عليه بعض الروايات . ومن وكلائه أيضاً محمد بن أحمد بن جعفر ، وجعفر بن سهيل الصيقل(2) .

وسنجد ان نظام الاحتجاب والوكلاء هو الذي سيكون ساري المفعول في الغيبة الصغرى ، بعد ان اعتاد الناس عليه ، في مسلك الامامين العسكريين عليهما السلام ، وخاصة الحسن الاخير عليه السلام.

ــــــــــــــــــــ

(1)   المصدر ص 219 و 215
(2)   مناقب آل أبي طالب ص 525 ج 2
 


صفحة (218)