|
||
|
ثم إن عملية التغيير المدخرة للقائد المنتظر تقوم على أساس رسالة معينة هي رسالة الإسلام ، ومن الطبيعي أن تتطلب العملية في هذه الحالة قائداً قريباً من مصادر الإسلام الأولى ، قد بنيت شخصيته بناءً كاملاً بصورة مستقلة ومنفصلة عن مؤثرات الحضارة التي يقدر لليوم الموعود أن يحاربها وخلافاً لذلك الشخص الذي يولد وينشأ في كنف هذه الحضارة وتتفتح أفكاره ومشاعره في إطارها ، فإنه لا يتخلص غالباً من رواسب تلك الحضارة ومرتكزاتها ، وإن قاد حملة تغييرية ضدها ، فلكي يضمن عدم تأثر القائد المدخر بالحضارة التي اعد لاستبدالها لا بد أن تكون شخصيته قد بنيت بناءً كاملاً في مرحلة حضارية سابقة هي أقرب ما تكون في الروح العامة ومن ناحية المبدأ إلى الحالة الحضارية التي يتجه اليوم الموعود إلى تحقيقها بقيادته .
3. كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر؟ ونأتي الآن على السؤال الثالث القائل : كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر مع أنه لم يعاصر أباه الإمام العسكري إلاّ خمس سنوات تقريباً وهي فترة الطفولة التي لا تكفي لانضاج شخصية القائد فما هي الظروف التي تكامل من خلالها ؟ والجواب : إن المهدي " عليه السلام " خلف أباه في إمامة المسلمين ، وهذا يعني أنه كان إماماً بكل ما في الإمامة من محتوى فكري وروحي في وقت مبكر جداً من حياته الشريفة . والإمامة المبكرة ظاهرة مسبقة إليها عدد من آبائه عليهم السلام ، فالإمام محمد بن علي الجواد (ع) تولى الإمامة وهو في الثامنة من عمره والإمام علي بن محمد الهادي تولى الإمامة وهو في التاسعة من عمره والإمام أبو محمد الحسن العسكري والد القائد المنتظر تولى الإمامة وهو في الثانية والعشرين من عمره.
ويلاحظ أن ظاهرة الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في الإمام المهدي (ع) والإمام الجواد (ع) ونحن نسميها ظاهرة لأنها كانت بالنسبة إلى عدد من آباء المهدي (عليه السلام ) تشكل مدلولاً حسياً عملياً ، عاشه المسلمون ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر ، ولا يمكن أن نطالب باثبات لظاهرة من الظواهر أوضح وأقوى من تجربة أمة . ونوضح ذلك ضمن النقاط التالية :
أ. لم تكن إمامة
الإمام من أهل البيت مركزاً من مراكز السلطان والنفوذ التي تنتقل بالوراثة من
الأب إلى الابن ويدعمها النظام الحاكم كإمامة الخلفاء الفاطميين، وخلافة
الخلفاء العباسيين، وإنما كانت تكتسب ولاء قواعدها الشعبية الواسعة عن طريق
التغلغل الروحي والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة
لزعامة الإسلام وقيادته على أسس روحية وفكرية. |
|