لاحظ معي ... أنه كان في إمكان المهدي (ع) أن يصلي على جثمان أبيه في الخفاء قبل أن يدعي جعفر للصلاة عليه ...لكي تبقى صلاة جعفر بن علي هي الصلاة الرسمية على المستوى الخاص ..إلا أن هذا هو الذي لا يريده المهدي ، ويحاول التأكيد على نفيه و(إقامة الحجة) ضده.

انظر الآن ..أن من جملة الواقفين إن لم يكن أكثرهم ، هو ممن هنى جعفر لإمامة قبل لحظات ..يرى الآن بأم عينه فشل جعفر ، وتتضح أمامه بدعته ومغالطاته ،وسوف يكون كل فرد لساناً في نقل ما راى من الحق إلى الآخرين ...فقد كان ذلك بمنزلة الإعلان العام من قبل الإمام المهدي (ع) في فضح مخطط عمه وإحباط مقصوده.

وكان جعفر ليناً في تأخره عن الصلاة ..بالرغم من اصفرار وجهه، أسفاً على فشل مخططه ،وخجلاً من هؤلاء الحاضرين الذين تقبل منهم التهنئة بالإمامة، من دون أن ينفيها عن نفسه ..إنه على أي حال ، لا يستطيع مكافحة الحق الراسخ في ضمير الأمة،  بسنة رسول الله (ص) وجهود الإمام العسكري (ع) ..فإنه سيفتضح إن فعل ذلك ..أكثر مما هو عليه ... وسوف لن يرى  إلا الإشمئزاز والإزورار من القواعد الشعبية التي يتوقع منها التأييد.

وعلى أي حال ، فبعد أن تنتهي هذه الصلاة الخاصة، يحمل جثمان الإمام عليه السلام للجمهور لكي تصلى عليه صلاة أخرى (رسمية!) ويتم تشييعه وحمله إلى مثواه الأخير ، وقد دفن إلى جنب أبيه الهادي عليهما السلام.

 

 صفحة (298)
 

 

جعفر بن علي

يحسن بنا الآن ان نستعرض بإيجاز سوابق جعفر بن علي وماضيه حتى يتضح لنا التحديد التام لموقفه ، وما سيقوم به من نشاط .

وأول ما يواجهنا من ذلك ، موقف أبيه الإمام الهادي عليه السلام منه ، في اول ولادته ، حيث نرى ان العائلة كلها سرت بولادته سوى أبيه (ع) فسألته امرأة في ذلك .فقال : هوني عليك وسيضل به خلق كثير(1).

ولما ترعرع وشب انحراف عن تعاليم الإسلام وعن توجيه والده وإمامه عليه السلام ،واتخذ طريق اللهو وشرب الخمر والمجون تأثراً بهذا الخط  المنحرف الذي كان يعيش على موائده الكثيرون في تلك العصور .

ومن ثم نرى والده عليه السلام يأمر أصحابه بالإبتعاد  عن جعفر وعدم مخالطته ، معلماً إياهم بأنه خارج عن تعاليمه عاصي لأمره ونهيه .وكان يقول لهم : تجنبوا ابني جعفراً ، فإنه مني بمنزلة نمرود من نوح الذي قال الله عز وجل فيه :قال نوح :إن ابني من أهلي :قال الله : يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح (2) فإن المنطق القرآني ،  قائم على ان  الوالد إذا كان مقتفياً خطى والده في اتباع الحق فهو ولده على الحقيقة .وأما إذا كان زائغاً عن الحق منحرفاً عن طريق العدل ...فهو وإن كان مولوداً منه ، لا أنه ليس من أهله ، لأنه عمل غير صالح.

 ـــــــــــــــــــ

(1) كشف الغيبة ج3 ص175

(2) انظر تاريخ سامراء ج2 ص251. نقلاً عن مدينة المعاجر.


 
صفحة (299)
 

وهذا بعينه هو حال الإمام الهادي عليه السلام مع ابنه جعفر .

وأصبح هذا المسلك معروفاً عنه مشهوراً فيه ، حتى  لنرى أن أحمد بن عبيد  الله بن خاقان ، الذي يروي اجتماع والده بالإمام العسكري عليه السلام ، نراه إذ سألوه عن جعفر يقول : ومن جعفر فيسأل عن خبره أو يقرن بالحسن (ع) . جعفر معلن بالفسق فاجر شريب خمور.

أقل من رأيته من الرجال ،واهتكهم لنفسه ، خفيف ، قليل في نفسه (1). ونرى أبا الأديان حين رأى حعفر يهني بالإمامة – كما سمعنا – يقول في نفسه : إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة ، ويضيف لأني كنت أعرف بشرب النبيذ ويقام في الجوسق -: القصر – ويلعب بالطنبور(2).

ولكنه بالرغم من ذلك ، كان يحاول اخوه الإمام العسكري عليه السلام جهد الإمكان ، الستر عليه والتخفيف من انحرافه .وذلك : باستصحابه معه تارة ،وبالتوسط  لدى السلطات تارة أخرى ،وهكذا .

إلا أن ذلك لم يكن مفيداً في كفكفة جماح جعفر أو التخفيف من إنحرافه .

فقد سمعنا في فصل تاريخ الإمام العسكري عليه السلام أنه يدخل على اصحابه في السجن لأجل أن يبشرهم بموعد خروجهم ، ويدلهم على رجل كان عيناً للسلطات ضدهم ،وكان معه أخوه جعفر.(3)

ـــــــــــــــــــ

(1) الإرشاد ص319.  (2) أنظر إكمال الدين ( المخطوط)

(3) أعلام الورى ص354

 

 صفحة (300)