|
||
|
وبين يدينا الآن مثالاً لذلك : احدهما : النبي موسى بن عمران على نبينا وعليه السلام . فان الله تعالى حين تعلق غرضه المهم الملزم بهداية البشرية به في زمان مستقبل .. وكان ذلك متوقفاً على ولادته صحيحاً سالماً ولم يكن ذلك ممكناً للضغط العالي التوجه من قبل سلطات فرعون يومئذ . اذن يتعين حفظه بطريق اعجازي تحفظاً على الغرض الالهي الكبير الذي سيكون موسى عليه السلام المسؤول الرئيسي لتنفيذه وتطبيقه في حينه. المثال الثاني : الامام المهدي عليه السلام الذي تعلق الغرض الالهي المهم الملزم بهداية البشرية به في الزمان المستقبل وتنفيذ وعد الله تعالى بدولة الحق على يده . وذلك يتوقف على ولادته وبقائه سالماً . ومن هنا افاض الله تعالى عنايته الخاصة وارادته اللانهائية ، تحفظاً على غرضه الكبير وتحدياً للجهد البشري المتواضع الذي تبذله السلطات .. بإقامة المعجزة في اخفاء الحمل من ناحية وفي بقائه أمداً طويلاً من الدهر من ناحية ثانية . وحيث كان المثال الأول واضحاً في اذهان المسلمين ، اذن فلا بعد في قدرة الله تعالى أن يقوم بذلك بالنسبة إلى المهدي (ع) ايضاً. والمعجزة في اخفاء الحمل يكون – في الأرجح – على هذا الترتيب : وهو ان النطفة خلال مدة الحمل تنمو ببطء شديد أو لا تنمو على الاطلاق ، ثم انها قبل الولادة بوقت قصير قد لا يزيد على دقائق تنمو بسرعة حتى يكتمل الجنين ، ويكون قابلاً للميلاد ، في الجو السري الخاص البعيد عن أعين السلطات .
صفحة (264)
وبذلك لا يتمكن أحد من الفاحصين حتى القوابل ، خلال المدة الاعتيادية للحمل .. من التعرف على وجوده . فضلاً عن مجرد النظر. وذلك : لأن الطب إلى يومنا الحاضر عاجز عن التعرف إلى الحمل في شهره الأول ، فكيف بالعصور السابقة .. عصور الخلافة العباسية فلو بقي الجنين ، بارادة الله تعالى ، على شكله في الشهر الأول طيلة مدة الحمل ، لم يتمكن أحد ان يخمن وجود الحمل على الاطلاق ، في تلك العصور. ولا يخفانا أيضاً ، ما في التوقيت في الفجر ، من اهمية خاصة في زيادة الحذر والخلفاء ، فإن هذه العائلة كانت في ذلك الوقت في يقظة . وكل من يتولى السلطة والتجسس يغط في نوم عميق . ثم ان حكيمة إذ تسمع تأكيد الامام عليه السلام ، تعود إلى نرجس فتخبرها بما قال وتسألها عن حالها . فتقول نرجس : يا مولاتي ما أرى بي شيئاً من هذا . ثم ان نرجس نامت واشتغلت حكيمة بالصلاة ، لكي تؤدي صلاة الليل ، وجلست للدعاء عقيب الصلاة ، وهي في كل ذلك ترقب نرجس . فلا تجد عليها إلا النوم الهادي لا تقلب جنباً عن جنب . وهناك من الأخبار ما يدل على أن نرجس نفسها قامت من نومتها فأدت صلاة الليل ثم نامت مرة اخرى . وهي لا تحس بشيء.
صفحة (265)
حتى إذا كان وقت طلوع الفجر ، وثبت نرجس من نومها فزعة ، فضمتها حكيمة إلى صدرها . وقالت لها : اسم الله عليك ، هل تحسين بشيء . قالت : نعم يا عمة. أقول: نعرف من ذلك ان جنينها قد كبر واكتمل . وتم هذا في دقائق أو أقل . وهذا يفسر لنا وثوبها من نومها فزعة . وهنا يأمر الامام عليه السلام حكيمة بأن تقرأ عليها سورة الدخان التي تبدأ بقوله تعالى : "بسم الله الرحمن الرحيم . حم . والكتاب المبين . انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا إنا كما مرسلين" . ولا يخفى ما في قراءة هذه الأيات من المناسبة لقتضى الحال . وحينما يحين وقت الولاة ، يحدث نوع من الغموض بين الأمرأتين بحيث لا تطلع حكيمة على نرجس ، وقد عبر عن ذلك في بعض الروايات بالفترة .. وهي نوع من الغفلة أو النعاس .. أصابتهما معاً . وعبر عنه في رواية اخرى ، بقول حكيمة : حتى غيبت عني نرجس فلم أرها ، كأنه ضرب بيني وبينها حجاب . والمعنى المفهوم منها واحد ، والغرض منه هو عدم الاطلاع على نرجس حين خروج الامام عليه السلام . وتنتبه حكيمة، فتجد الامام المهدي عليه السلام ساجداً على الأرض يقول شيئاً من الكلام ، يعطى به المفهوم الواعي الكبير الذي خلقه الله من اجله والغرض الذي أوكله اليه والوعد العظيم الذي اناطه به . لكن الروابات تختلف في اللفظ الذي قاله . ففي احدها انه قال : اشهد ان لا اله إلا الله وان جدي محمد رسول الله وان ابي امير المؤمنين .
صفحة (266)
|
|