|
||
|
الفصل الرابع
الايديولوجية العامة التي يتبناها المهدي (ع)
تجاه الكون والحياة
والتشريع والذي نريد التعرف عليه في هذا الصدد ، هو الاطلاع الكامل على العمق الحقيقي للوعي الذي ينشره الإمام المهدي في المجتمع ، ولا تفاصيل الأسس العامة التي تبتني عليها الايديولوجية يومذاك . فإن ذلك مما يتعذر الإطلاع عليه قبل يوم الظهور ، كما ذكرنا في التمهيد . وانما الذي نثير التساؤل عنه ونحاول التعرف عليه الآن ، هو بعض العناوين العامة التي يتصور اتجاه الايديولوجيه المهدوية نحوها أو التي قد يخطر في الذهن ذلك منها . معه يكون التساؤل مثاراً عن أمور أربعة: الامر الأول : الدين يعتنيه المهدي (ع) ، ويعلنه في العالم . الأمر الثاني : المذهب الذي يتخذه (ع) . الأمر الثالث : التساؤل عما إذا كان يتبنى بعض المفاهيم المحددة الضيقة كالعنصرية والقومية والوطنية ونحوها .
الأمر الرابع :
التساؤل عما إذا كان نظامه مشابهاً في المفهوم أو المدلول مع الأنظمة السابقة
على الظهور ، كالرأسمالية والإشتراكية ، أو لا ؟ الجهة الأولى : في الدين الذي يتبناه الإمام المهدي (ع) ويحكم العالم على أساسه . وهو دين الإسلام بصفته الأطروحة الكامله التي تحقق العبادة الحقيقية العبادة الحقيقية المستهدفه من خلق البشرية أساساً ، كما سبق أن عرفنا .
صفحة (61)
ويتم الاستدلال على ذلك بعدة أساليب ، نذكر منها ما يلي : الأسلوب الأول : أن نستعرض بعض الظواهر المهمة لنتائج العدل السائدة في دولة المهدي ... فإذا عطفنا على ذلك انحصار العدل الكامل بالإسلام ، إذا ، فهذا الأسلوب متوفق على مقدمتين : المقدمة الأولى : استعراض بعض الظواهر المهمة والنتائج العظيمة للعدل السائد في دولة المهدي العالمية . وهذا بتفاصيله موكول إلى الباب الثالث من القسم الثاني من هذا التاريخ وإنما نقتصر في المقام على ذكر بعض الأمثلة . فمن ذلك ما أخرجه ابن ماجه(1) عن أبي سعيد الخدري : أن النبي (ص) قال : يكون في أمتي المهدي . . . فتنعم فيه أمتي نعمة لم ينعموا مثلها قط . تؤتي اكلها ولا تدخر منهم شيئاً . والمال يومئذ كدوس ، فيقوم الرجل فيقول : يا مهدي عطني فيقول : خذ . وما يرويه البخاري(2) عن ابي هريرة : أن رسول الله ( ص) قال ، ـ في حديث ـ : ومتى يكثر فيكم المال فيفيض ،حتى يهم رب المال من يقبل صدقته ، ومتى يعرضة فيقول الذي يعرض عليه لا أرب لي به . وقد برهنا في التاريخ السابق(3) بانحصار حدوث هذه الكثرة من المال في دولة المهدي (ع) دون ما قبلها . مضافاً إلى دلالة هذه الأخبار المروية هنا . وما أخرجه مسلم في صحيحه(4) عن ابي سعيد وجابر بن عبدالله قالا : قال رسول الله (ص) : يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده . وما أخرجه الشيخ المفيد في الإرشاد(5) عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبدالله (ع) يقول : ان قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها . إلى أن قال : وتظهر الأرض من كنوزها حتى يراها الأرض على وجهها . ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته ، فلا يجد أحداص يقبل منه ذلك ، واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله .
صفحة (62) (1) أنظر السنن ج2 ص1367. (2) انظر الصحيح ج9 ص74 . (3) انظر نـريخ الغيبة الصغرى ص 231 و ص335. (4) ج8 ص 185 . (5) أنظر ص342.
ومثل ذلك ما ورد في كتاب العهدين في وصف دولة العدل المنتظرة ، كقوله(1) : وتنفتح أبوابك دائماً(2) نهاراً وليلاً لا تغلق ، ليؤتى إليك بغنى الأمم وتقاد ملكهم ، لأن الأمة والمملكة التي لا تخدمك تبيد ، وخراباً تخرب الأمم . كقوله : بل يقضى بالعدل للمساكين ، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض ، ويضرب الأرض بقضيب فمه ،ويميت النافق بنفخة شفتيه ....فيسكن الذئب مع الخروف و يربض النمر مع الجدي ... والبقر والدبة ترعيان ، تربض أولادهما معاً . والأسد كالبقر يأكل تبناً .ويلعب الرضيع على سرب الصل .ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان ، لا يسوؤن ولا يفسدون . في كل جبل قدسي .لأن الأرض تمتلىء من معرفة الرب (1). إلى غير ذلك من النصوص في كتب العهدين . ولكل من هذه النصوص تحليله وتفسيره الذي سيأتي في مستقبل البحث ... وإنما المراد الإلمام في الجملة بحالة السعادة والرفاه التي يعيشها شعب المهدي (ع) – وهو كل البشرية – في دولته وتحت نظامه . المقدمة الثانية : انحصار العدل الكامل في الإسلام . وهذا يحتاج إلى بحث عقائدي لسنا الآن بصدده ، وإنما نشير الآن إلى خلاصة نتائجه : وهي أننا بعد أن علمنا الإسلام هو آخر الشرائع السماوية ، وأن العقل البشري قاصر عن إيجاد العدل الكامل في العالم .وأن الله تعالى وعد في كتابه الكريم بتطبيق العدل الكامل والعبادة المحضة على وجه الارض، بل كان هذا هو الغرض الأساسي للخلق .
(1) أشعيا :60/ 13 (2) مرجع ضمير المؤنث المخاطب هو (اورشليم ) عاصمة بني اسرائيل في نظر اليهود .ولكننا سنبرهن في الكتاب القادم على انحصار صحة هذه النبؤات بدولة المهدي (ع) ، وإنما ذكرت اورشليم باعتبارها العاصمة الدينية المهمة في نظر اليهود .فإن انتقلت الأهمية إل غيرها انتقلت النبؤات أيضاً ، لأنه تتبع الدين الحق حيث يكون.
(3) أشعيا : 11/ 4-8 |
|