|
||
|
ولذا اقتضى التخطيط الإلهي ، من أجل إنجاح اليوم الموعود ، أن يكون الظهور فجائياً ، مثاله مثال الساعة لا يجليها لوقتها ، كما نطقت بذلك الأخبار وسنرى ما لعنصر المفاجأة من أثر فعال في نصره . النقطةالثالثة : ان الامة الاسلامية حين يكون التخطيط الالهي قد انتج نتيجته فيها ، ولم يصبح بعد على مستوى مسؤولية اليوم الموعود ، فإنها تكون مقصرة بالنسبة إلى كل حدود ومقدماته ... وتكون هذه الحدود والمقدمات فوق مستواها العقلي والثقافي والديني . ومن هنا لم يتورع الناس عن افشاء التوقيت الذي كان فيما سبق ، ولو أعطوا وقتاً جديداً لأفشوه أيضاً لا محالة . . . ومن هنا الغي التوقيت ، كما سمعنا من هذه الأخبار . وهذا أيضاً أحد الأسباب في تحريم تسمية الإمام المهدي (ع) خلال غيبته الصغرى ، كما سمعنا في تاريخها(1) فإنهم ان عرفوا الاسم أذاعوه وإن علموا بالمكان دلوا عليه . وهذا القصور العام في الأمة هو المشار إليه في بعض الأخبار ، كقول الإمام موسى بن جعفر (ع) : يابني عقولكم تضعف عن هذا وأحلامكم تضيق عن حمله . ولكن إن تعيشوا تدركوه(2) . فإن المراد بالعقول ما نسمية بالمستوى الفكري والثقافي ، والمراد بالأحلام ما نسمية بالإخلاص وقوة الإرادة وكون الأمة على مستوى المسؤلية . . . وكلاهما ضعيفان بمنطوق الرواية .كما دل عليه البرهان أيضاً . وليس المراد من هذه الرواية وأمثالها ما يفهمه بعض الناس ، من امتناع التعرف على مصلحة الغيبة ، وخفاء مصلحة وجود الإمام خلالها . . . بعد كل الذي سبق أن عرضناه في كتب هذه الموسوعة مستفاداً من القرآن الكريم والسنة الشريفة نفسها .
النقطة
الرابعة : ان وقت الظهور وإن كان محددا في علم الله الأزلي ، لكنه بالنسبة إلى
علله وشرائطة ينبغي أن لا يفترض له وقت محدد . صفحة (55) ــــــــــــــــــ
(1) انظر تأريخ الغيبة
الصغرى ص277 وما بعدها.
فإن تحديد التاريخ يمكن أن يكون على مستويين : المستوى الأول : علم الله الأزلي بالأشياء منذ القدم ، المتعلق بكل الممكنات أو المخلوقات بأسبابها ومسبباتها. المستوى الثاني: وجود المعلول بالنسبة إلى وجود علته ، فإن المعلول يحدث متى حدثت علته ، بلا دخل للزمان في ذلك أصلا ً . مثاله : إننا لو نسبنا تاريخ اكمال بناء البيت بالنسبة إلى القوى المادية والبشرية العاملة فيه ، كان تاريخه منوطاً بتحقيق هذه المكونات ، حتى ما إذا وضع البناء آخر حجر في كيان الدار ، تكون هذه الدار قد انتهت ، بغض النظر عن طول زمن البناء وقصره . . .فانه قابل للاختلاف حسب الظروف والطوارئ والقابليات والإمكانيات . وحيث يبرهن فلسفياً بأن علم الله تعالى الأزلي المتعلق بالأشياء ليس علة لها ، وانما يتعلق بها ويكشف عنها على ما هي عليه في الواقع ، إذا، ففي الإمكان قصر النظر عن تعلق ذلك العلم به معه يكون المستوى الثاني للتوقيت صحيحاً ، ويكون وجود الشيء منوطاً بوجود علته واجتماع شرائطة ومكوناته ، من دون أن يكون الزمن ملحوظاً في تحديد حدوثة على الاطلاق . . . بل قد يكون قابلاً للزيادة والنقص ، كما قلنا . ومن هذا القبيل ، يوم الظهور . فإننا لو غضضنا النظر عن علم الله الأزلي لم يبق لدينا أي وقت محدد له ، وأنما هو منوط بحصول شرائطه وعلله . فمثلا ً نقول : متى اجتمع العدد الكافي للغزو العالمي بالعدل الكامل . من المخلصين الممحصين ، كان يوم الظهور ناجزاً ، سواء كان زمان وجودهم والفترة التي تحققهم طويلة جداً أو قصيرة . وهذا دليل آخر على أن التوقيت بمعنى تحديد التاريخ المعين جزاف محض . وهذا هو مرادنا من التوقيت الذي برهنا عليه . وهو توقيت إجمالي يخلو من التحديد بالومان تماماً . فلا يكون قولاً جزافاً ولا واجب التكذيب . كما لا يكون تحديده الإجمالي خطراً على الأمام المهدي وموجباً لفشل مهمته بعد الظهور . هذا تمام الحديث في توقيت الظهور باعتبار شرائطة .
وأما توقيت الظهور
باعتبار علاماته . فقد سبق أن عرفنا في التاريخ السابق جملة من العلامات ،
وفحصنا ادلتها ودقفنا في معانيها . . . ولنا موقف آخر معها في الباب الثاني
الآتي من هذا التأريخ.
صفحة (56) |
|