وهذا ما أشرنا إليه في الأخبار :

أخرج الشيخ الطوسي في الغيبة(1) بإسناده عن زرارة ، قال : ان للقائم غيبة قبل ظهوره ، قلت : ولم ؟ قال : يخاف القتل .

وفي حديث آخر(2) عن زرارة بن أعين أيضاً ، قال سمعت أبا عبدالله (ع) يقول : إن للغلام غيبة قبل أن يقوم ، قلت : ولم ؟ قال : يخاف . وأوما بيده إلى بطنه .

وأخرج الشيخ الصدوق في إكمال الدين(3) بإسناده عن سعيد بن جبير قال : سمعت سيد العابدين علي بن الحسين يقول : في القائم منا سنن من سنة الأنبياء (ع) . . . إلى أن قال : وأما موسى فالخوف والغيبة ... الحديث .

وفي حديث آخر(4) عن محمد بن مسلم الثقفي الطحان ، قال : دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر ، وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد صلوات الله عليه وعلى آله فقال لي ، مبتدئاً : يامحمد بن مسلم ان في القائم من آل محمد (ص) شبهاً من خمسة من الرسل . . . إلى أن يقول : واما شبهه من موسى فدوام خوفه وطول غيبته وخفاء ولادته . . . الحديث

ولعل هذه الفائدة ، هي المصلحة الوحيدة التي بينتها الأخبار للغيبة الكبرى . باعتبارها المصلحة الوحيدة المناسبة مع المستوى الفكري والثقافي الذي كان موجوداً في عصر صدور هذه الأخبار.

وثبوت هذه الفائدة واضح ، بعد التسليم بأمرين :

الأمر الأول : الفهم الإمامي القائل : بأن المهدي هو الإمام الثاني عشر من الأئمة المعصومين (ع) . الذي هو الفهم الذي ننطلق منه في إثبات أكثر مداليل الغيبة الكبرى كما عرفنا .
 

صفحة (48)

ــــــــــــــــــ

(1) ص201 . (2) نفس المصدر ص202 . (3)نسخة مخطوطة غير مرقمة  الصفحات.

(4) نفس المصدر.


الأمر الثاني: ان الإمام المهدي (ع) لو كان ظاهراً معروفاً بحقيقته ، قبل اليوم الموعود ، لقتله الظالمون لا محالة...  بعد التسالم الواضح على أن هدفه الأساسي هو تطهير الأرض من الظلم وتبديل أوضاع الظالمين . إذاً ، فكل من لا يرضى بهذا التبديل ، انطلاقاً من  انحرافه ومصالحة الشخصية ، سيكون ضده.

  وسيكون القضاء على المهدي (ع) متيسراً بأسهل طريق . لأنه ليس له من ينصره أو يدافع عنه ، أو ويوجد من لا يكفي لذلك ، لما عرفناه مفصلاً من أن نصره متوقف على تمخض التخطيط العام عن وجود العدد الكافي لغزو العالم بالعدل . وان هذا لا يتم الا قبيل ظهوره . واما خلال المدة المتخللة قبله فان التخطيط لم ينته بعد ولم ينتج هذا العدد الكافي . إذا فقيامه بالثورة العالمية متعذر تماماً ، ودفاعه عن نفسه بدون ذلك متعذراً أيضاً ، لاقتران وجوده في اذهان الناس بالثورة العالمية . . . إذا فتعين أن يكون غائباً غير معروف وان لا تنكشف حقيقته إلا يوم ظهوره في اليوم الموعود . وذلك من أجل جل أن يبقى مذخوراً لتلك المهمة الأخرى. ومن الواضح أن مقتله يفقد اليوم الموعود قائدة ، الذي لا يوجد غيره . بحسب الفهم الإمامي ، ومن ثم يخل بالدولة العالمية ، وبالهدف العام من خلق البشرية.

 

وقد يخطر في الذهن : ان المهدي (ع) يمكن أن يكون معروفاً ، الا ان الله تعالى يحفظة عن طريق المعجزة ، لأجل تنفيذ اليوم الموعود والهدف العام ... بعد أن عرفنا(1) من قانون المعجزات ، كالطريق الطبيعي غير الاعجازي، متعيناً ، ولا تحدث فيه معجزة .

وجواب ذلك : اننا عرفنا إلى حنب ذلك من قانون المعجزات انه متى أمكن السير نحو الهدف بدون معجزة ، كان الطريق الطبيعي غير الاعجازي ،متعيناً ، ولا تحدث فيه معجزة .

فبالنسبة إلى المهدي (ع) حين كان هو الامام الثاني عشر من المعصومين (ع) ، ولا إمام بعده ، كان حفظه لليوم الموعود واطالة عمره متعينا بالمعجزات ، ولا بديل لذلك . ومن أجل هذا حدثت المعجزة وطال عمره . وأما حفظه لذلك اليوم بمعنى دفع القتل عنه ، فهذا يتعين عن طريق المعجزة . بل يمكن أن يكون عن طريق الغيبة أيضاً ، وهي طريق طبيعي واضح ، كما سبق أن برهنا في التاريخ السابق(1) لا يتضمن في أساسه الا غفلة كل أفراد البشر عن حقيقته وعدم العلم بكونه هو المهدي ، ومن ثم لا يوجد عند أحد القصد إلى قتله . بصفته مهدياً . وقلنا انه إذا أمكن الطريق الطبيعي ، ولا تقوم المعجزة بتنفيذه.
 

صفحة (49)

ــــــــــــــــــ

(1) انظر تأريخ الغيبة الكبرى ص38 .

 


وبمعرفتنا مداليل الغيبة الكبرى ونتائجها الكبرى بالنسبة إلى الأمة الاسلامية خاصة والبشرية عامة . وبالنسبة
 إلى الإمام المهدي (ع) خاصة وتنفيذ اليوم الموعود عامة ... يتبرهن لدينا بوضوح أهمية الغيبة الكبرى ، وكونها رئيسياً في التخطيط الإلهي العام لا يمكن الإستغناء عنه .

واما مع الأخذ بالفهم غير الإمامي للمهدي وكونه شخصاً يولد في زمانه وسيوقف للثورة العادلة في حينه . ان مثل هذه القائد لن يستطيع بأي حال قيادة العالم قيادة عادلة عادة ، ولو فرضنا  ـ جدلاً ـ انه استطاع ذلك لفترة، فهو لا يستطيع ضمان بقاء التطيبق الإسلامي على الدوام ، كما هو المفروض في دولة المهدي وسيأتي الإستدلال عليه .

وينطلق الحكم بعدم استطاعة مثل هذا الإنسان القيام بهذه المهمة ، من حقيقة عدم لياقته لذلك ، وقصوره عنه قصوراً  تاماً ، بعد كونه فاقداً لكل النتائج التي عرفناها للغيبة الكبرى . وبخاصة صفة العصمة التي يكون فاقداً لها ولكل خصائصها المهمة . وأما المدلول الأول الذي يشمل الفهم غير الإمامي للمهدي ، فنتائجه تظهر في الأمة أو البشرية ، وليس لها نتائج خاصة بالمهدي كما مر.


صفحة (50)