وفي البيان الذي ختمت به الغيبة الصغرى ، وهو ما أخرجه السمري عن
الامام المهدي (ع) يقول فيه (1) : " فمن ادعى المشاهدة قبل خروج
السفياني والصيحة ، فهو كذاب مفتر " .
إلى غير ذلك من الأخبار ... وهي بمقدار تكفي للاثبات التاريخي ، ومعه لا بد من
الالتزام بوجود السفياني في الجملة .
ثانياً : اسمه ونسبه :
في خبر (2) عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال ك " يخرج ابن آكلة الأكباد
عن الوادي اليابس . إلى أن قال : اسمه عثمان وأبوه عنبسة وهو من ولد أبي سفيان "
.
وأخرج الشيخ (3) عن علي بن الحسين عليه السلام في حديث . قال : " ثم
يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس ، وهو من ولد عنبسة بن أبي سفيان " .
ثالثاً : زمان خروجه على وجه الإجمال :
أخرج الشيخ (4) عن أبي عبد الله (ع) قال : " خروج الثلاثة : الخراساني
والسفياني واليماني ، في سنة واحدة في شهر واحد ، في يوم واحد .... " الحديث .
وأخرج الصدوق (5) في إكمال الدين عنه عليه السلام ،قال :" ان أمر
السفياني من المحتوم وخروجه في رجب ".
رابعاً : مكان خروجه :
أخرج الصدوق (6) عن أبي منصور البجلي ، قال : " سألت أبا عبد الله (ع)
عن اسم السفياني ، فقال : وماتصنع باسمه ، إذا ملك كور الشام الخمس : دمشق وحمص
وفلسطين والأردن وقنسرين ، فتوقعوا الفرج . قلت : يملك تسعة أشهر ؟ قال : لا .
ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوماً " .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1)
الاحتجاج
، جـ 2 ، ص 7 .
(2)
انظر
منتخب الأثر ، ص 457 عن إكمال الدين .
(3)
انظر غيبة
الشيخ ، ص 270 .
(4)
المصدر ،
ص 271 .
(5)
انظر
المصدر المخطوط .
(6)
المصدر
المخطوط .
صفحة (519)
وأخرج النعماني (1) عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) في حديث طويل يقول
فيه : " لا بد لبني فلان (2) من أن يملكوا ، فإذا ملكوا ثم اختلفوا
تفرق ملكهم وتشتت أمرهم ، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني ، هذا من المشرق
وهذا من المغرب ، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان هذا من هنا ، وهذا من هنا ، حتى
يكون هلاك بني فلان على أيديهما . أما أنهم لا يبقون منهم أحداً " .
ثم قال : " خروج السفياني واليماني والخراسني في سنةواحدة . في شهر واحد ، نظام
كنظام الخرز ، يتبع بعضه بعضاً ... الخ " الحديث.
وأخرج أيضاً (3) عن أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال : " لا بد أن يملك
بنو العباس . فإذا ملكوا واختلفوا وتشتت أمرهم،خرج عليهم الخراساني والسفياني ،
هذا من المشرق وهذا من المغرب يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من ههنا وهذا
من ههنا ، حتى يكون هلاكهم على أيديهما . أما أنهما لا يبقون منهم أحداً أبداً "
.
خامساً : عقيدته :
يظهر من بعض الأخبار أنه مسيحي ، أو من صنائع المسيحييه .كالخبر الذي أخرجه
الشيخ في الغيبة (4) . قال: " يقبل السفياني من بلاد الروم منتصراً
في عنقه صليب ، وهو صاحب القوم " .
ويظهر من بعض الأخبار أنه من المسلمين المنحرفين المبغضين لأمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليه السلام . كالذي أخرجه الشيخ (5) عن أبي عبد الله (ع)
قال : " كأني بالسفياني ـ أو لصحاب السفياني ـ قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة ،
فنادى مناديه : من جاء برأس شيعة علي فله ألف درهم . فيشب الجار على جاره
ويقول هذا منهم . فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم . أما أن إمارتكم يؤمئذ لا تكون إلا
لأولاد البغايا ... " الحديث .
ــــــــــــــــــــــ
(1)
انظر غيبة
النعماني ، ص 135 .
(2)
يعني بني
العباس .
(3)
المصدر
السابق ، ص 137 .
(4)
ص 278 .
(5)
نفس
المصدر ، ص 273 .
صفحة (520)
سادساً : إن الجيش الذي يخسف به في البيداء هو جيش السفياني نفسه : فمن ذلك من
أخرجه النعماني (1) يسنده إلى الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام ،
أنه قال في حديث ذكر فيه السفياني : " ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة فينفي
المهدي منها إلى مكة فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة ، فيبعث
جيشاً على أثره ، فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً يترقب على سنة موسى بن عمران .
قال : وينزل أمير جيش السفياني البيداء ، فينادي مناد من السماء : يا بيداء أبيدي
القوم ، فيخسف بهم . فلا يفلت منهم إلا ثلاثة ... " الحديث .
ومن ذلك : ما رواه في منتخب الأثر (2) عن ينابيع المودة مروياً عن علي
كرم الله وجهه في قوله تعالى : ﴿ولو ترى إذ فزعوا أفلا فوت
﴾
. قال : " قبيل قائمنا المهدي يخرج السفياني فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر .
ويأتي المدينة جيشه حتى إذا انتهى إلى البيداء خسف الله به " .
وما رواه أيضاً (3) عن البرهان في علامات مهدي آخر الزمان مروياً عن
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال : " السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي
سفيان ... إلى أن قال : ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرم فيبلغ السفياني ، فيبعث
إليه جنداً من جنده ، فيهزمهم . فيسر إليه السفياني بمن معه . حتى إذا جاوزوا
ببيداء من الأرض خسف بهم ، فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم " .
إلى غير ذلك من الاخبار.
ـــــــــــــــــــــــ
(1)
انظر
الغيبة ، ص 149 وما بعدها .
(2)
ص 454 .
(3)
نفس
المصدر ، ص 458 .
صفحة (521)
فإن صحت هذه الاخبار ، كانت كل الأخبار التي تتحدث عن الجيش الذي يخسف به في
البيداء ، والتي هي مستفيضة بين الفريقين ، كانت دالة على بعض أعمال السفياني .
وبخاصة وقد سمعنا من الأخبار التي أخرجتها صحاح العامة من
ذلك : إن الخسف يكون بسبب تهديد الجيش لعائذٍ يعوذ بالبيت الحرام أو قوم لا عدة
لهم يعوذون به . وها نحن نسمع هذه الاخبار تفسر هذا العائذ وهؤلاء القوم بالمهدي
(ع) وأصحابه . وهو مطلب واضح لا غبار عليه ، إذ من يمكن أن يستحق هذا الدفاع
الالهي عنه غيره عليه السلام .
إلا أن صعوبة واحدة تبقى ، وهي أن هذه الأخبار الأخيرة ، هل هي قابلة للإثبات
التاريخي مع التشدد السندي أولاً . ومهما كان الجواب ، فالأمر موافق مع الاعتبار
كما رأينا .
فهذه هي أهم الأوصاف التي ذكرت للسفياني في المصادر الامامية . ولا شك أن أكثرها
لا يمكن إثبات تاريخياً بعد التشدد السندي .
نعم ، بعد حمل جملة منها على الرمزية ، من أجل أن تربط بالمضمون العام لعصر
التمحيص والامتحان ... يكون مضمون أكثرها صحيحاً على ما سنرى .
الأمر الثاني :
في تمحيص دلالة هذه الأخبار بوجه عام ، مع غض النظر عن التشدد السندي والحمل
الرمزي .
فإن في هذه الأخبار عدة نقاط ضعف ، مما يضعف احتمال صدروها عن المعصومين عليهم
السلام ، ومن ثم إمكان الاخذ بها بصفتها صالحة للاثبات التاريخي .
النقطة الأولى .
التهافت من ناحية مدة ملك السفياني . إذ نسمع من أحد الأخبار أنه بمقدار حمل
امرأة تسعة أشهر ومن خبر آخي نفي ذلك صراحة ، وأنه لا يملك أكثر من ثمانية أشهر .
النقطة الثانية :
إن من هذه الأخبار ما يدل على أن حركة السفياني مشاركة في زوال ملك بني العباس ،
مع حرة الخراساني . وهذا يعني أنها قد حدثت وانتهت . لأن ملك العباسيين قد زال
منذ أمد بعيد .
صفحة (522)
ولكن ينافي ذلك دلالة الأخرى على ارتباط حركة السفياني بالخسف ، فإن الخسف مما لم
يحدث بعد قطعاً إلى حد الآن . ومعه يكون السفياني متأخراً عن دولة العباسيين بدهر
طويل ، بحيث لا يمكن الارتباط بهم بأي شكل من الاشكال .
النقطة الثالثة :
أنه دلت بعض هذه الأخبار على أن زوال ملك بني العباس نتيجة لحركتين مضادتين
متعاصرتين هما حركة الخراساني وحركة السفياني . ولم يعرف شيء من ذلك في التاريخ .
وإنما الغزو المغولي هو الذي استأصلهم وأزال دولتهم ، وبقي بعدهم منفرداً بالحكم
مدة من الزمن ، ولا يعرف له قرين آخر في المنطقة .
النقطة الرابعة :
التهافت في تعيين عقيدته كما سمعنا . وأنه هل هو من المسيحيين أو من المسلمين
المنحرفين .
وقد يخطر في الذهن : أن الخبر الثاني الذي رويناه في عقيدته ، لم يدل على أنه من
المسلمين وإنما دل على مطاردته لشيعة علي عليه السلام فلعله مسيحي يعمل ذلك إذن
فلا تنافي بين الخبرين .
إلا أن هذا لا يصح ، لأكثر من جواب : أولاً : أن المسيحي مهما كان شديداً ضد
المسلمين ، من البعيد جداً أن يخصص عدواته بشيعة علي دون غيرهم . وإنما هذا من
عمل المسلمين المنحرفين عادة . وثانياً : أن الخبر الأول الدال على كونه مسيحياً
، غير قابل للاثبات التاريخي ، على كل تقدير ، لأنه ليس مروياً عن معصوم ، فإن
الشيخ أخرجه بسنده عن بشر بن غالب قال : " يقبل السفياني ... " الخ . وليس فيه
دلالة على أنه مروي عن أحد المعصومين عليهم السلام .
الأمر الثالث :
وقد يخطر في الذهن اتحاد شخصيتي الدجال والسفياني في رجل واحد . وخاصة بعد التشدد
السندي الذي اتخذناه ، واسقاط تفاصيل أوصافهما عن الاعتبار . ولا يبقى ن المتيقن
إلا أن كلا الاسمين عنوان لرجل منحرف خارج على تعاليم الإسلام ومفسد في مجتمع
المسلمين ، ففي الإماكن انطباقهما على رجل واحدة وحركة واحدة.
صفحة ( 523)
ومما يؤيد ذلك ما عرفناه ، من أن التعبير بالدجال هو المتخذ في المصادر العامة
عادة ، والتعبير بالسفياني هو المتخذ في مصادر الامامية ، ففي الإمكان افتراض أن
يكون التعبيران معاً عن رجل واحد ، نظر إليه أصحاب كل مذهب من زاويتهم المذهبية
الخاصة .
إلا أن هذا لا يكاد يصح ، لا على المستوى الرمزي ولا على المستوى الظاهر . عن
الإسلام أساساً أو الكفر الصريح ، بسبب الشهوات واتباع المصالح الخاصة .
والسفياني يمثل حركة القلاقل والشبهات في داخل نطاق المجتمع المسلم . على ما
سنوضح فيما يأتي . ومن المعلوم أن هاتين الحركتين مستقلتان لا اتحاد بينهما على
المستوى العام ، وإن اتفقنا في بعض النتائج ضد الإسلام
وأما على مستوى الأخذ بالظاهر ، فواضح أيضاً على مستويين :
المستوى الأول :
فيما إذا أخذنا بالتشدد السندي ورفضنا الأخذ بالصفات المنسوبة إلى هذين الشخصين ،
فإنه يكفينا ظهور الاسمين في تعدد المسمين ، وإن جهلنا بصفاتهما . إذ لو كانا
شخصاً واحداً لعبر عنه في الأخبار بتعبير واحد .
المستوى الثاني :
فيما إبذا لم نأخذ بالتشدد السندي ، وأخذنا بالصفات المنسوبة إليهما ، فيكون
الفرق بينها أوضح وأصرح ، والتعدد أبين .
وأهم الفروق بينهما في حدود ما أعطته الأخبار التي سمعناها ، ما يلي :
أولاً : أن الدجال يفترض فيه طوله العمر ، دون السفياني .
ثانياً : إن الدجال يدعى بابن صائد ، والسفياني يدعى بعثمان بن عنبسة .
ثالثاً : إن السفيان من أولاد أبي سفيان ، دون الدجال .
رابعاً : إن الدجال يدعي الربوبية ، دون السفياني .
خامساً : إن الدجال كافر . وأما السفياني فلا نص في الأخبار يدل على ذلك ، إن لم
يكن الظاهر كونه مسلماً .
صفحة (524)
سادساً : إن الدجال يملك كل قرية ويبهط كل وادي ، ما عدا مكة والمدينة . وظاهر
ذلك أن حركته أوسع من حركة السفياني على سعتها .
سابعاً : إن الدجال أعور العينين . وأما السفياني فهو ذو عينين سليمتين .
وهذه الفروق ، يمكن أن تكون في غالبها فرقاً بين الحركتين على المستوى الرمزي
الذي أشرنا إليه .
النقطة الخامسة : ظهور اليماني :
وقد اختصت به أيضاً المصادر الأمامية ،ووصفت حركته بأنها حق ... باعتبار كونه
داعياً إلى المهدي عليه السلام .
روى النعماني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : للقائم خمس
علامات : السفيان واليماني ... " الخ الحديث .
وفي رواية أخرى عنه (ع) (2) في تعداد أمور محتومة ، قال : واليماني من
المحتوم .
وروى أيضاً (3) عن الإمام الرضا (ع) أنه قال : " قبل هذا الأمر :
السفياني واليماني .... " الحديث .
وفي رواية أخرى (4) عن أبي جعفر محمد بن على (ع) في رواية طويلة ذكر
فيها راية السفياني والخراساني ، ثم قال :" وليس في الرايات راية أهدى من راية
اليماني . هي راية هدى ، لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلام
على الناس وكلهم مسلم . وإذا خرج اليماني فإنهض إليه ، فإن رأيته راية هدى ، ولا
يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك ، فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق
، وإلى طريق مستقيم " .
ـــــــــــــــــــــــــ
(1)
الغيبة ،
ص 133 .
(2)
المصدر ،
ص 134 .
(3)
المصدر
والصفحة .
(4)
المصدر ،
ص 135 .
صفحة (525)
وأخرج الشيخ (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ، حديث الخمس علامات ،
وعد منها : خروج اليماني .
وفي رواية أخرى (2) عن أي عبد الله (ع) قال : " خروج الثلاثة :
الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد ، وليس فيها
راية بأهدى من راية اليماني ، يهدي إلى الحق ".
وفي رواية أخرى (3) عن محمد بن مسلم قال : " يخرد قبل السفياني : مصري
ويماني " .
إلى غير ذلك من الروايات في مختلف المصادر الامامية . وهي مستفيضة تقريباً ،
وصالحة للاثبات التاريخي بالرغم من التشدد السندي الذي اتخذناه ، إذ ليس في
مقابلها قرينة نافية . إلا أن ما يثبت بها هو حركة اليماني في الجملة ، وأما سائر
الصفات ، بما فيها كونه على حق ، فهو مما لا يكاد يثبت بالتشدد السندي .
فإذا تم ذلك ، أمكن حمله على بعض الحركات التي حدثت في اليمن . فيكون من العلامات
التي حدثت في التاريخ . وهذا هو المطابق لمنهجنا في الحبث . لكن لو افترضنا
الاعتراف بكونه على حق ، واحتملنا أن يكون قائد الحركة يمانياً وإن لم تكن الحركة
في اليمن ، أوكان منطلق الحركة اليمن ولم تقتصر عليها ، فتكون من الأمور الموعودة
التي لا دليل على سبق حدوثها .
وأما على المستوى الرمزي ، فهي تمثل حركة أهل الحق في مقابل الانحراف والضلال
الموجود في عصر الغيبة ، على ما سنذكره .
النقطة السادسة : خروج يأجوج ومأجوج :
أخرج مسلم وابن ماجه (4) عن النواس بن سمعان عن رسول الله (ص) حديثاً
مطولاً يذكر في أوله الدجال وبعض صفاته وأفعاله . ثم يذكر نزول عيسى بن مريم عليه
السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1)
غيبة
الشيخ ، ص 267 .
(2)
المصدر ،
ص 271 .
(3)
جـ 8 ، ص
198 .
(4)
جـ 2 ، ص
1356 .
صفحة (526)
ثم يقول : ـ واللفظ برواية مسلم ـ : " فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى أني
قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم ، فحرر عبادي إلى الطور . ويبعث الله
يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون . فيمر أوائلهم على بحيرة طبريا ، فيشربون
ما فيها ، ثم يمر آخرهم ، فيقولون : لقد كان في هذا ماء مرة .
"
ويحضر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون راس الثور لأحدهم خيراً من مئة دينار
لأحدكم اليوم . فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه ، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم
فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة .
ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون في الأرض موضع شبر ، إلا
ملأه زهمهم ونتنهم . فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل الله طيراً
كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله .
"
ثم يرسل الله مطراً لا يُكِنُّ منه بيت مدر ولا بر ، فيغسل الأرض حتى يتركها
كالزلقة . ثم يقال للأرض : انبتي ثمرتك وردي بركتك . فيومئذ تأكل العصابة من
الرمانة ويستظلون بقحفها . ويبارك الله في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي
ألفاً من الناس . واللقحة من البقر لتكفي القبيلة ، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ
" .
وأخرج مسلم بسند آخر (1) عن يزيد بن جابر نحو ما ذكرناه ، وازاد بعد
قوله : " لقد كان بهذه مرة ماء . ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر وهو جبل بيت
المقدس ، فيقولون : لقد قتلنا أهل الأرض ، هلم فلنقتل من في السماء . فيرمون
بنشابهم إلى السماء ، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دماء " .
فهذه هي أفعال يأجوج ومأجوج بعد فتح ردمهم . وهي هي نهايتهم ، لو صح هذا الخبر .
وحيث نعلم أن نزول عيسى عليه السلام ،يكون قريباً أو مقارناً لظهور المهدي عليه
السلام ،فيكون خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم بدعوات المسيح عليه السلام ، سابقاً على
الظهور ، أي في عهد الغيبة الكبرى .
ـــــــــــــــــــــ
(1)
جـ 8 ، ص
199.
صفحة ( 527)
وإذا غضضنا النظر عن التشدد السندي ، كان المضمون العام لهذا الحديث
أمراً محتملاً ، وقابلاً لتفسير قوله تعالى : ﴿ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج
، وهم
من كل حدب ينسلون . واقترب الوعد الحق ، فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفرو . يا
ويلنا قد كنا في غفلة من هذا ، بل كنا ظالمين
﴾
(1) .... إذا أمكن تفسير الوعد الحق بظهور المهدي (ع) باعتبار ما
قلناه من أن الغرض الأساسي لله تعالى من إيجاد خلقه ، متمثل بتحققه .
وواضح من الآية : أن فتح يأجوج ومأجوج سابق على الوعد الحق ... فيكون سابقاً على
الظهور . تماماً كما فهمناه من الحديث . فيكون الحديث والآية متصادقان على معنى
واحد متشرك ، مع غض النظر عن تفاصيل الحوادث التي أوردها الحديث .
ونحن لا نريد أن ندخل في تفاصيل المراد من يأجوج ومأجوج وإثبات حقيقتهم وكيفية
بناء السد ضدهم وفتحه . فإن لذلك مجال آخر . ويكفينا بهذا الصدد ظاهر القرآن
الكريم . وهو خال من العجائب التي نسبت في عدد من المصادر إليهم .
فإن ما يدل عليه ظاهر الكتاب الكريم ، هو أنهم قوم بدائيون متوحشون كانوا يعيثون
في الأرض الفساد ، فكان السد الذي بناه ذو القرنين سبباً لنجاه الناس منهم . وبقى
هؤلاء وراء السد ، حتى إذا بلغوا من الكثرة في المستوى العقلي والحضاري ، ما
يستطيعون به السيطرة على هذا السد ، فإنهم يخرجون إلى العالم مرة أخرى ويتجدد
فسادهم، ويذوق البشر منهم الأمرين . كيف وهم أصبحوا حاقدين على البشر الآخرين من
بناء السد ضدهم .
وسوف يصادف خروجهم من وراء السد ، الزمان السابق على يوم الظهور بقليل ، بمقتضى
ما فهمناه من الآية الكريمة ، والحديث . وسوف نعرض أطروحة متكاملة عن فهم هؤلاء
الناس في التاريخ القادم إن شاء الله تعالى.
والاشكال المهم الذي يحول دون هذا الفهم هو احتمال أن يراد بالوعد الحق يوم
القيامة . ولعمري أنه أمر محتمل وإن كان سياق الآية مناسب تماماً مع افتراض كون
المراد به يوم الظهور .
ــــــــــــــــــــــــ
(1)
21 / 97 .
صفحة (528)