فبلغ ذلك ملوك الروم . وكان ملكان منهما أخوين مشتركين في ملك القسطنطينية ، فكاتبا عضد الدولة وبعثا له بهدايا واستمالاه . فقوى في نفسه ترجيح جانبهما ، وأعرض عن نصر ورد الرومي ... إلى آخر
الحوادث (1)

وهناك حوادث أخرى تدل على وجود هذه الثقة المتبادلة ، لا تخفى على المتتبع . 

الروم والمسلمون نصر حقيقي وأكيد ، على حين عرفناه ان هذه الحروب التي ذكرناها كانت نهايتها الفرار .

قلنا : ان كل ما يدل عليه الحديث الشريف ، هو أنهم ينتصرون ويغنمون ويسلمون .  ولا شك أن هذا قد حدث في الحروب السابقة على هجومهم على القسطنطينية ، وان انهزموا بعد هذا الهجوم .

وأما قوله (ص) : ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول .  فليس فيه دلالة على أنهم راجعون بالنصر .  والمرج المشار إليه ، كأنه كناية عن المنطقة التي صار إليها الجيش المهزوم .

وبعد فترة من ذلك قامت الحروب الصليبية ، من قبل أناس جدد غير أولئك المتعاهدين مع المسلمين .  ومن هنا نجد الحديث الشريف يقول : "فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب .  ولم يقل رجل منهم أي الروم .  لأن رادة الحروب الصليبية كانوا غير أولئك الأسبقين ، بحوالي قرن وإن كان الجيل المتأخر من الروم البزنطيين قد اشترك فعلاً في تلك الحروب .  ولا يكون بين رفع الصليب والانتصار المشترك أية علاقة مباشرة ، وإنما هو مجرد الترتيب الزمني .

ويكون معنى رفع الصليب من قبل أهل النصرانية ، وهم الأوروبيون الافرنج .. معناه اتخاذ الصليب شعاراً لهم ورمزاً لانتصارهم ، واستغلالهم الدين المسيحي لاستعمار المسلمين والتوصل إلى قتلهم واستغلال مواردهم واقتصادياتهم .  ويكون قوله : "غلب الصليب" ، عبارة رمزية عن هذا الشعار ، متضمناً للتفاؤل بالنصر رفعاً لمعنويات الجيش المهاجم .
_____________________________
(
1) المصدر جـ 1 ص 347 .

صفحة (464)

وهذا بالضبط هو الذي أعلن في ابتداء الهجوم الصليبي . إذ قالوا عند العزم عليه :

"وحق الانجيل هذا جيّد لنا ولهم – يعني الأوروبيين والصقالبة – وتصبح البلاد نصرانية" (1) . وقال أحد زعمائهم: "إذا عزمتم على جهاد المسلمين فأفضل ذلك فتح بيت المقدس ، تخلصونه من أيديهم ويكون لكم الفخر " (2)  .

وكان ذلك عام 491 ، وقد استطاعوا أن يحققوا هدفهم هذا في العام المقبل .  فقد احتلوا البيت المقدس بعد سلسلة من المذابح فيها وفي كل مدينة إسلامية مروا بها في طريقهم .  حيث لم يكن مرادهم الفتح فقط ، بل التشفي من المسلمين ، وإبادتهم والانتقام من فتوحهم المظفرة .

ففي بلدة البيت المقدس نفسها كما يقول لنا التاريخ (3) : "ركب الناس السيف ولبث الفرنج في البلدة أسبوعاً يقتلون  فيه المسلمين ... وقتل الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ، ممن فارق الأوطان وجاور بذلك الموضع الشريف .  وأخذوا من عند الصخرة نيفاً وأربعين قنديلاً من الفضة وزن كل قنديل ثلاثة آلاف وستمائة درهم . وأخذوا تنوراً من فضة وزنه أربعون رطلاً بالشامي . وأخذوا من القناديل الصغار مئة وخمسين قنديلاً نقرة ، ومن الذهب نيفاً وعشرين قنديلاً ، وغنموا منه ما لا يقع عليه الاحصاء " .

وبقي البيت المقدس تحت الاحتلال المباشر للصليبيين ما يقرب من مئة عام ، توسعوا من خلالها إلى دمشق وبيروت وعكا  ويافا وصيدا وصور وغيرها من المدن المسلمة . حتى سلط الله تعالى عليهم جماعة من عباده الشجعان بقيادة صلاح الدين الأيوبي . فأذاقوهم طعم الفرار والاندحار ، ونصر الله تعالى دينه وأعلى كلمته ، بعد دهر من المحنة والتمحيص .

وقد بدأ صلاح الدين بالأطـراف،فاسترجعها منهم ، في حروب قاسية ، حتى استطاع فتح البيت المـقدس عـام 583(4). بالصلح ، بعد حصار طويل ومناوشات طويلة ، أظهر فيها كل من المسلمين والافرنج غاية الاستبسال والصمود.
_______________________________________
(1) الكامل جـ 8 ص 185 . (2) المصدر والصفحة وانظر الفتوحات الاسلامية جـ 1 ص 500 .
(3) الكامل جـ 8 ص 189 والفتوحات جـ 1 ص 504 .  (4) الكامل جـ 9 ص 175 وص 182 والفتوحات جـ 1 ص 520 .

صفحة (465)

وهذا هو المصداق الحقيقي القطعي لقول النبي (ص) – في الحديث الشريف - : " فيغضب رجل من المسلمين ، فيقوم إليه فيدقه " . يعن يقو مإلى الصليب فيدقه . وهذا الرجل هو صلاح الدين الأيوبي نفسه ، وغضبه المشار إليه في الحديث إنما هو لأجل الصليبيين بلاد الاسلام ، وبغاية تنظيفها منهم وإعلاء كلمة الاسلام فيها . والفكرة في أساسها من أعظم الأفكار الاسلامية شموخاً وإخلاصاً ومشروعية ، وإن كان التطبيق أحياناً ينطلق من زوايا منحرفة حادة .

وقوله : " يقوم إليه " ، يعني يتصدى لمعارضته ومقاومته ومنازلته . وقوله : "يدقه "، أي يكسر الصليب ويبيده وينفيه . وهو إخراج الصليبيين من بلاد الاسلام ، وإزالة حكمهم واحتلالهم عنها .

ولنا في تفسير هذه الحملات الظافرة ، بعد أن كانت جذوة الثورة الحرارية لدى المسلمين قد خمدت منذ قرنين من الزمن ، لنا فيها تفسيرات وبيانات ، يطول المقام بعرضها .

وقوله (ص) : "فعند ذلك تغدر الروم وتجتمع للملحمة " .  كناية عن بدء عصر النهضة الحديثة في أوروبا .  تلك النهضة التي بدأت جذور جرارتها والتحسس إليها من خلال الحروب الصليبية نفسها . فبينما كنا نجد الافرنج يستجيرون بالمسلمين ويتعاهدون معهم ويشتركون معاً في حروب ذات هدف موحد . وهذا معناه أن فكرة الاستعمار الأوروبي لم يكن لها وجود ، بل كانت أوروبا تنظر إلى المجتمع المسلم نظرة الند للند على أقل تقدير .

ولكن نهضة الحروب الصليبية هي التي أوجبت التحسس الأوروبي وإذاقتها طعم الانتصار والاثراء على حساب الشعوب الضعيفة ، وكل ما فعلته أوروبا بعد ذلك أنها جردت نهضتها عن العنصر الديني وأبدلته بالمفهوم المادي العلماني للعالم ، وهذا هو الفرق الأساسي بين النهضة الأوروبية الحديثة والنهضة الصليبية .

يشير إلى مثل هذا المفهوم بعض المؤرخين (1) ويقول : "إن تلك الحروب وإن هلك فيها كثير من النفوس ، وذهب فيها كثير من الأموال ، من غير حصول على المقصود ، "باعتبار فشل الافرنج واندحارهم في تلك الحروب ".  لكنه أعقب نتائج نافعة لهم .
____________________________
(1) الفتوحات الاسلامية جـ1 ص 366 .

صفحة (466)

منها : انهم من ذلك الوقت شرعوا في ترتيب العساكر وتعلموا بمواصلتهم المسلمين صناعة التجارة والزراعة وكثيراً من العلوم العقلية والفلكية . والفوا التواريخ النافعة وتوسعوا في معرفة علم الفلك وألّفوا فيه ، وتخلقوا بأخلاق الحضر . وتعودوا الاسفار براً وبحراً لاكتشاف أحوال الأقطار ، واكتشفوا أمريكا في أسفارهم سنة 890 هجرية ، ولم تكن معلومة لأحد قط .

واكتسبوا أنواع الفروسية واللعب بالخيل والرماح ... وتعلموا أيضاً المشورة في الأحكام وعلموا أن الملك يفسد بالاستبداج وعدم المشورة فدونوا لهم أحكاماً وقوانين يرجعون إليها . واستكثروا من جمع كتب الاسلام وترجمتها بلسانهم ليعلموا معانيها ، فاخذوا منها ما يكون به صلاح الملك . واتخذوا مدارس لتعليم أنواع الفنون ، وعرفوا منها ما يكون به صلاح الملك.واتخذوا مدارسهم لتعليم أنواع الفنون، وعرفوا أن الملك لا ينتظم إلا بذلك كله". انتهى كلامه .

إذن فالأساس الذي أيقظ عندهم النهضة الحديثة على ضخامتها وجبروتها ، هو ما أوجبته الحروب الصليبية من الانفتاح على العالم والشعور بالمسؤولية تجاه الرقي والتقدم ، في الاتجاه الذي فهموه وطبقوه .

ونسبة الغدر إلى الروم ، باعتبار نقضهم لعهد الهدنة وإقرارهم لفكرة الحروب الصليبية .

ومعنى اجتماعها هو محاولة زرع الاتفاق بين شعوبها والشعور بالمسؤولية والهدف المشترك بينهم علمياً واقتصادياً وسياسياً ، كما سمعنا .

ولعل أوضح وألطف عبارة رمزية يمكن أن يعبر بها على هذا الغدر والاستعمار بما يحمل من تخطيطات فكرية وعقائدية وعسكرية واقتصادية ... ما قاله النبي (ص) : - برواية ابن ماجة – "فيأتون تحت ثمانين غاية ، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً " . وهذه الأرقام ليست للتحديد بل للتعبير عن مجرد الكثرة ، مع بيان اختلاف مراتبها ، فعدد الأفراد الذي يعملون تحت كل غاية أكثر عدداً من مجموع اختلاف مراتبها ، فعدد الأفراد الذين يعملون تحت كل غاية أكثر عدداً من مجموع الغايات .

صفحة (467)

وهذا هو الذي حصل فعلاً ، فقد جاءت أوروبا إلى الشرق المغلوب على أمره ، تحت عشرات الشعارات والمصالح بل المئات منها . وأما المؤيدين المغرورين بكل غاية من هذه الغايات ، والمتحمسين لها على اعتبارها الغاية القصوى في الكون بزعمهم ... فأفرادهم يعدون بالآلاف بل بالملايين .

ولكن النبي (ص) لم يكن يمكنه التصريح قبل أكثر من ألف عام لا بعشرين ألف . حفظاً لقانون : "كلم الناس على قدر عقولهم " .ولم يكن المجتمع يومئذ بقادر على تفهم شيء مما وقع بعد ذلك ، بأكثر مما صرح به الحديث الشريف . فان مجموع الممالئين لأوروبا بنص الحديث الشريف مائة وستون ألفاً من الناس .

وأما ما أضافه أبو داود إلى الحديث ، وهو قوله : "ويثور المسلمون إلى أسلحتهم ، فيقتتلون ، فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة .." فهو عبارة عن الثورات التي يقوم بها المسلمون خلال التاريخ ، ضد الملحمة الكبرى : الاستعمار والتعبير بالثورة أوضح قرينة على ذلك .

قوله : "فيقتتلون " ، يعني معسكر ومعسكر الروم ، أو المستعمرين . 

إلا أن الاستعمار سيكون أقوى من أن يقهر ، والمسلمون الثائرون بالرغم من اندفاعهم واخلاصهم أقل عدداً وعدة من أن يستطيعوا الدفاع الحقيقي البليغ .  بل هم لا محالة – على أفضل تقدير – سيتهاوون في ميدان الشهادة واحداً بعد الآخر "فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة " .

ونحن إذا لاحظنا تاريخ الثورات التي قامت في بلاد الاسلام منذ تاريخ الاستعمار إلى ما بعد بداية القرن العشرين الميلادي ... نجدها قائمة على أساس إسلامي ، بشكل وآخر : كثورة الجزائر في بدايتها بقيادة الشيخ عبد القادر الجزائري ، وثورة العشرين في العراق بقيادة الشيخ محمد تقي الشيرازي .

وإنما أصبحت الثورات في العالم تقوم على أساس مادي صرف في العقدين الأخيرين تقريباً .  وذلك تحت التأثير الأوروبي المادي الذي غزانا في عقر دارنا وسيطر على أفكارنا وحياتنا ، حين لم تجد بلاد الاسلام مقاومة حقيقية وجواباً عسكرياً حاسماً ، على المد المادي الجارف .

صفحة (468)

الأمر السابع : من العلامات التي تحققت في التاريخ ، مقاتلة الترك .
أخرج البخاري في كتاب الجهاد من صحيحة (1) عن رسول الله (ص) أنه قال : "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك، صغار الأعين حمر الوجوه ذلق الأنوف ، كأن وجوههم المجان المطرقة ..." الحديث .  وقد عقد الترمذي وأبو داود وابن ماجة في صحاحهم أبواباً بهذا العنوان ، فراجع .

وهذا منه (ص) في الأرجح إشارة إلى وصول الفتح الاسلامي إلى بلاد الترك . وقد تحقق ذلك بعد وفاة النبي (ص) عام اثنين وعشرين للهجرة ، بقيادة عبد الرحمن بن ربيعة .

وذُلْف الأنوف : صغارها .  يقال : ذَلِف الأنف إذا صغر واستوت أرنبته ، فصاحبه أذلف ، والمؤنث ذلفاء والجمع ذُلف بضم فسكون .  والمجان جمع مجن وهو الترس .  والمطرقة بضم الميم وتشديد الراء ، مأخوذ من الطرق ، يقال : طرّق الحديد إذا مدده ورققه .  وهو كناية عن سعة الوجه .

ومن هنا ورد في بعض الأحاديث وصفهم بكونهم عراض الوجوه ، كالذي أخرجه ابن ماجة (2) : "لا تقوم الساعة حتى تقاتلون قوماً صغار الأعين عراض الوجوه " الحديث .

وأخرج مسلم عدة أحاديث بهذا المضمون (3) ولم يذكر فيها اسم الترك ، غير أنه يمكن أن يكون ما أخرجه البخاري قرينة عليه .  فيكون ذلك مما تحقق في التاريخ الاسلامي .

الأمر الثامن : فتح القسطنطينية :

أخرج مسلم : أن رسول الله (ص) قال : " لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق او بدابق ، فيخرج اليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ " ... إلى أن يقول : "فيفتحون قسطنطينية" .. الخ .  الحديث .
__________________________
(1) الفتوحات جـ1 ص 152 .  (2) أنظر جـ 8 ن ص 175 وما بعدها .   (3) أنظر جـ 8 ص 175 وما بعدها .

صفحة (469)

وهذا ما تحقق فعلاً ، بعد عدة قرون من تسجيله في المصادر الحديثة ، فضلاً عن زمن التنبؤ به من قَبِلِ النبي (ص) . فيكون من هذه الناحية ، كما قلنا في التنبؤ بالحروف الصليبية ، على مستوى المعجزات .

وفاتح القسطنطينية هو السلطان محمد الثاني بن السلطان مراد ، من أوائل الملوك العثمانيين ، الذين حكموا البلاد الاسلامية باسم الدين ردحاً طويلاً من الزمن .  وقد تم الفتح ودخول المسلمين فيها عام 857 للهجرة (1) وسميت بعدئذ باسلامبول نسبة إلى الاسلام بعد النصرانية ، وأصبحت العاصمة الرئيسية للدولة العثمانية .

ونكرر هنا القول الذي ذكرناه في موقف صلاح الدين الأيوبي ... من أن فكرة الفتح أساساً مجيدة وعظيمة في الاسلام ، ومن هنا أعتبر النبي (ص) الجيش الفاتح " من خيار أهل الأرض يومئذ " .  وهذا لا ينافي وجود نقاط ضعف في العقيدة أو السلوك من الجهات الأخرى .

لا يبقى بعد هذا الاحتمال أن يكون المقصود من الحديث النبوي هو أن فاتح القسطنطينية هو الامام المهدي (ع) بعد ظهوره ، كما ورد في بعض الأخبار (2) . وقد يستدل على ذلك بأطراء النبي (ص) على الفاتحين ، كما سمعنا ، فان أشد انطباقاً على أصحاب المهدي (ع) منه على الجيش العثماني بطبيعة الحال .

هذا الاحتمال غير صحيح ، لصراحة الحديث النبوي ، بان القسطنطينية تؤخذ من الروم ، وهو ما حدث في الفتح العثماني . وأما المهدي (ع) فسوف يفتحها تارة أخرى ، إلا أنه سوف يأخذها من المسلمين المنحرفين ، كما يأخذ سائر البلاد الاسلامية غيرها .  وإنما ذكرت في الأخبار لأهميتها الجغرافية واستراتيجيتها العسكرية .
____________________________________
(1) الفتوحات ، جـ 2 ص 124 وما بعدها .  (2) انظر كشف الغمة ، جـ 3 ، ص 264 .

صفحة (470)

ويؤيد ذلك ، قوله في الحديث النبوي عن الجيش الفاتح : "فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً .  ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء .  ويفتح الثلث ... " الحديث (1) .  وهذا الانقسام مما لا يمكن حدوثه في جيش المهدي الفاتح للعالم كله ، ببيعة الحال .

وأما وصفهم بكونهم من خيار أهل الأرض ، وإن شهداءهم أفضل الشهداء ... فقد عرفنا تفسيره الصحيح .

وعلى أي حال ، فهذه الأمور الثمانية ، هي أهم ما ورد في الأخبار من العلامات التي تحققت في التاريخ .

                                                *    *     *

علامات أخرى متحققة :

بقيت هناك عدة علامات ذكرها الشيخ المفيد في الارشاد مختصراً ، وقال أنها وردت في الآثار وجاءت بها الأخبار . منها عدد قد تحقق في التاريخ ؛ أو يمكن حمله على مصاديق مفهومة متيقنة .  وإنما عزلناها عن العلامات السابقة لأننا لم نجدها في الأخبار ، فيما عدا رواية المفيد لها مرسلاً بدون سند .

وتكون القاعدة العامة ، في التشدد السندي ، رفضها ما لم تقم قرائن واضحة على صدقها .  وقد سبق أن قلنا أن أدل دليل على صدق الرواية تحقق مضمونها في الخارج على مدى التاريخ .  وسنختار ما يمكن القول بتحققه فنذكره فيما يلي :

أولاً : مقتل الحسني :

ولا شك أن العشرات من ذرية الامام الحسن الزكي عليه السلام ، ثاروا في أيام الدولة الأموية والعباسية ، وواجهوا من القتل والتشريد من قبل السلطات الشيء الكثير ... كما هو أوضح من أن تدخل في تفاصيله .  ولمن يراجع مقاتل الطالبيين لأبي الفرج خير المعرفة بذلك .

وإن في دولة طبرستان التي أسسها الحسن بن الحسني العلوي عام 250 ، والتي استطاعت الصمود ردحاً طويلاً من الدهر ، بالرغم من كيد الأعداء ، خير دليل على صمود هذه الذرية الطاهرة واستبسالهم ضد الظلم والطغيان .
_____________________________
(1) ص 336 وما بعدها .

صفحة (471)