في
شرائط الظهور
وتعرض فيه هذا المفهوم ، ضمن عدة جهات :
الجهة الأولى :
في الفرق بين شرائط الظهور وعلاماته :
عرفنا من شرائط الظهور : وجود العدد الكافي من المخلصين الممحصين لغزو العالم
بالحق والهدى . وسنعرف من علائم الظهور وجود الدجال والخسف وغيرهما .
ويشترك هذان المفهومان : الشرائط والعلائم ، بأنهما معاً مما يجب تحققه قبل
الظهور ، ولا يمكن أن يوجد الظهور قبل تحقق كل الشرائط والعلامات . فان تحققه
قبل ذلك ، مستلزم لتحقق المشروط قبل وجود شرطه أو الغاية قبل الوسيلة ... كما
أنه مستلزم لكذب العلامات التي أحرز صدقها وتوافرها .
إذن ، فلا بد أن يوجدا معاً قبل الظهور ، خلال عصر الغيبة الكبرى ، أو ما قبل
ذلك ، على ما سنعرف . ويتدرج وجودها بشكل متساوق حتى يتم ، فيتحقق الظهور عند
ذلك . ولا يمكن تأخره عن تماميه الشرائط ولا عن تمامية العلامات .
فان تخلف الظهور عن شرائطه يلزم منه تخلف المعلول عن العلة . أو بعبارة أدق :
يلزم عدم قيام المهدي (ع) بوظيفته الاسلامية وحاشاه .. وفشل التخطيط الالهي في
نهاية المطاف . على ما سنوضح تفصيلاً فيما يلي من البحث . وإن تخلف الظهور عن
مجموع العلامات المحرزة الصحة لزم كذبها ، بصفتها علامات ، وهو خلاف إحراز
صحتها ، على أقل تقدير .
صفحة (395)
وبالرغم من نقاط الاشتراك هذه ، فان بينهما من نقاط الاختلاف ، والفروق ، لا
بد لنا من بيانها بشكل يتضح الفرق بين المفهومين بشكل أساسي :
الفرق الأول :
إن إناطة الظهور بالشرائط اناطة واقعية ، واطته بالعلامات اناطة كشف واعلام .
وهذا هو الفرق الأساسي المستفاد من نفس مفهوم اللفظين : الشرط والعلامة . فان
معنى الشرط في الفلسفة ، ما كان له بالنتيجة علاقة عليّة وسببية لزومية . بحيث
يستحيل وجوده بدونه .
وهذا هو الذي نجده على وجه التعيين في شرائط الظهور . فاننا سنرى أن انعدام
بعض الشرائط يقتضي انعدام الظهور أساساً بحيث لا يعقل تحققه . وانعدام بعضها
الآخر يقتضي فشله ومن ثم عدم إمكان نشر العدل الكامل المستهدف في التخطيط
الالهي الكبير . إذن فلا بد أولاً من اجتماع الشرائط ، لكي يمكن تحقق الظهور
ونجاحه .
أما العلامة ، فليس لها من دخل سوى الدلالة والاعلام والكشف عن وقوع الظهور
بعدها ، مثالها مثال هيجان الطيور الدال على وقوع المطر أو العاصفة بعده من دون
إمكان أن يقال : ان العاصفة لا يمكن ان تقع بدون هيجان الطيور . بل يمكن
وقوعها ، بطبيعة الحال .وإن كان قد لا تنفك عن ذلك في كل عاصفة .
وهذا هو الذي نجده في علامات الظهور ، فانه يمكن تصور حدوثه بدونها . ولا يلزم
من تخلفها انخرام سبب أو مسبب ... غير ما أشرنا إليه من كذب الدليل الدال على
كونها من العلامات . وهو مما لا يمكن الاعتراف به بعد فرض استحالة الكذب على
النبي (ص) والأئمة (ع) ، وكفاية الدليل للاثبات التاريخي .
ومعه ، فتنبثق ضرورة وجودها قبل الظهور ، بصفتها دليلاً كاشفاً عن وقوعه ، لا
بصفتها ذات ارتباط واقعي لزومي ، كما كان الحال في شرائط الظهور .
نعم ، ينبغي أن نأخذ بنظر الاعتبار ، نقطة واحدة ، وهي أن بعض العلامات ، كوجود
الدجال وقتل النفس الزكية ، مربوطة ارتباطاً عضوياً بالشرائط . بمعنى أن هذه
العلامات من مسببات ونتائج عصر الفتن والانحراف الذي هو سبب التمحيص الذي هو
سبب إيجاد أحد شرائط الظهور ، على ما
سنوضح . إذن يكون بين هذا القسم من العلامات وبين بعض الشرائط علاقة سببية
لزومية ... فيكون لها في نهاية الشوط ، نفس المفهوم الذي للشرائط .
صفحة (396)
غلا أن هذا لا ينافي ما قلناه ، باعتبار أمرين مقترنين :
الأمر الأول :
عدم وقوع العلامة في سلسلة علل الظهور . بل هي من معلومات ونتائج بعض علل
الظهور . فلا تكون بذلك من العلل ، وإن كان وجودها لزومياً قبل الظهور .
الأمر الثاني :
ورودها في الأخبار كعلامة ملفتة للنظر إلى وجود الظهور . وهي – بلحاظ هذه
الزاوية بالتعيين – لم يلحظ فيها سوى الكشف والدلالة على الظهور ... سواء كانت
من علله أو لم تكن . وليس كذلك حال الشرائط ، فانها ، غير معروفة النتائج
للناس وغير ملفتة لنظرهم على الاطلاق ، على ما سنذكر .
إذن ، فكل ما ينتج من هذا التسلسل في التفكير ، هو ضرورة وجود العلامات قبل
الظهور ، وهو أمر صحيح ومشترك بين العلامات والشرائط . وأما أنه ينتج تحويل
هذه الأمور من كونها علامات إلى كونها شرائط فلا .
الفرق الثاني :
إن علامات الظهور ، عبارة عن عدة حوادث ، قد تكون مبعثرة ، وليس من بد من وجود
ترابط واقعي بينهما ، سوى كونها سابقة على الظهور ... الأمر الذي برَّر جعلها
علامة للظهور ، في الأدلة الاسلامية .
وأما شرائط الظهور ، فان لها- باعتبار التخطيط الالهي الطويل – ترابط سببي
ومسببي واقعي ، سواء نظرنا إلى ظرف وجودها قبل الظهور ، أو نظرنا إلى ظرف
انتاجها بعد الظهور . على ما سنوضح فيما يلي ، بعد هذا الفصل .
الفرق الثالث :
إن العلامات ليس من بد أن تجتمع أصلاً في أي زمان . بل يحدث أحدها وينتهي ، ثم
يبدأ الآخر في زمان متأخر ... وهكذا . كما أنها قد تجتمع صدفة أحياناً . فهي
حوادث مبعثرة في الزمان كما أنها مبعثرة بحسب الربط الواقعي.
صفحة (397)
وأما الشرائط ، فلا بد أن تجتمع في نهاية المطاف ، فانها توجد تدريجياً ، إلا
أن الشرط الذي يحدث يستمر في البقاء، ولا يمكن – في منطق التخطيط الالهي – أن
يزول . فعندما يحدث الشرط الآخر ، يبقى مواكباً للشرط الأول، وهكذا تتجمع
الشرائط وتجتمع في نهاية المطاف ... في اللحظة الأخيرة من عصر الغيبة الكبرى .
ومن هنا الفرق الآتي .
الفرق الرابع :
إن علامة الظهور ، حادثة طارئة ، لا يمكن – بطبعها – أن تدوم ، مهما طال زمانها
. بخلاف شرائط الظهور ، وبعض أسبابها ، فأنها بطبعها قابلة للبقاء ، وهي باقية
فعلاً ، بحسب التخطيط الالهي ، حتى تجتمع كلها في يوم الظهور .
الفرق الخامس :
إن العلامات تحدث وتنفذ بأجمعها قبل الظهور . في حين أن الشرائط لا توجد بشكل
متكامل إلا قبيل الظهور أو عند الظهور . ولا يمكن أن تنفد ، وإلا لزم انفصال
الشرط عن مشروطه والنتائج عن المقدمات ... وهو مستحيل .
والسر في ذلك كامن في الفرق بين النتائج المتوخاة من وراء كلا المفهومين .
فان العلامات بصفتها دلالات وكواشف عن الظهور ، فان وظيفتها سوف تنتهي عند
حدوثه ، ولا يبقى لها أي معنى بعده . وأما الشرائط فحيث أنها دخيلة في التسبب
إلى وجود يوم الظهور ، وإلى تحقق النصر فيه ... فلا بد أن تجتمع في نفس ذلك
العهد ، حتى تكوّن بمجموعها الشرط الكامل للنجاح . إذ مع تخلف بعضها تتخلف
النتائج المطلوبة ، لا محالة .
الفرق السادس :
إن شرائط الظهور دخيلة في التخطيط الالهي ، ومأخوذة بنظر الاعتبار فيه ...
باعتبار توقف اليوم الموعود عليه . بل أننا عرفنا : أن البشرية كلها من أول
ولادتها وإلى يوم الظهور ، كرّسها التخطيط الالهي ، لايجاد يوم الظهور .
وأما العلامات ، فليس لها أي دخل من هذا القبيل .... بل كل انتاجها ، هو اعلام
المسلمين وتهيئة الذهنية عندهم لاستقبال يوم الظهور . وجعلهم مسبوقين بحدوثه
في المستقبل أو بقرب حدوثه .
صفحة (398)
الفرق السابع :
إن علامات الظهور ، يمكن بالانتباه أو بالفحص والتدقيق ، التأكد مما وجد منها
وما لم يوجد ... باعتبارها حوادث يمكن تحديدها والاشارة إليها . ومن هنا
انبثقت دلالتها للمسلمين على قرب الظهور .
وأما الشرائط ، فقد قلنا اجمالاً أنه من المتعذر تماماً التأكد من اجتماعها .
وذلك ، لأن منها : حصول العدد الكافي من المخلصين الممحصين في العالم . وهذا
مما لا يكاد يمكن التأكد منه لأحد من الناس الاعتياديين . لأنه لا يمكن أن
نعلم في الأشخاص المخصلين أنهم وصلوا إلى الدرجة المطلوبة من التمحيص أو لا . ونشك في حدوث العدد الكافي في العالم منهم على استمرار . فيبقى العالم بحصول
هذا الشرط منغلقاً تماماً . وإنما نعرف حصوله بحصول الظهور نفسه ، فان حصوله
يكشف عن وجود سببه وشرطه قبله لا محالة .
فهذه هي الفروق بين علامات الظهور وشرائطه . ويمكن اعتبار الفرق الأول فرقاً
في المفهوم والمعنى . واعتبار الفروق الأخرى فروقاً في الخصائص والصفات .
الجهة الثانية :
ما هي وكم هي شرائط الظهور ؟!
ونحن إذ نتكلم عن شرائط الظهور ، إنما نريد بها الشرائط التي يتوقف عليها تنفيذ
اليوم الموعود ، ونشر العدل الكامل في العالم كله فيه ... ذلك اليوم الذي يعتبر
ظهور المهدي (ع) الركن الأساسي لوجوده ، ومن ثم يتحدد ظهوره عليه السلام بنفس
تلك الشرائط . بالرغم من أن فكرة الغيبة والظهور ، إذا لاحظناها مجردة ، لن
نجدها منوطة بغير إرادة الله عز وجل مباشرة . ولكن الله تعالى أراد أن يتحدد
الظهور بنفس هذه الشرائط ، لأجل انجاح اليوم الموعود . لأن المهدي (ع) مذخور
لذلك ، فيكون بين الأمرين ترابط عضوي وثيق .
صفحة (399)
وإذا نظرنا إلى هذا المستوى الشامل ارتفعت الشرائط إلى ثلاثة :
الشرط الأول :
وجود الأطروحة العادلة الكاملة التي تمثل العدل المحض الواقعي ، والقابلة
التطبيق في كل الأمكنة والأزمنة ، والتي تضمن للبشرية جمعاء السعادة والرفاه في
العاجل ، والكمال البشري المنشود في الآجل .
إذن بدون مثل هذه الأطروحة يكون العدل الكامل منتقياً ، وغير ممكن التطبيق .
والعدل الجزئي الناقص ، لا يمكن أن يكون مجدياً أو مؤثراً في سعادة البشرية
لوجود جوانب النقص المفروضة فيه ، تلك الجوانب التي يمكن أن تتأكد وتبرز ،
فتقضي على مثل هذا العدل في يوم من الأيام .
كما أن العدل الناقص ، لا يمكن أن يكون مستهدفاً لله عز وجل ، ومخططاً له من
قبله تعالى ... فان خطط له ، هوالعبادة الكاملة التي لا تتحقق إلا بالعدل
الكامل . وخاصة بعد أن عرفنا أن البشرية كلها قد عملت في التمهيد لذلك الهدف
الالهي ، فهل من الممكن أن يخطط الله تعالى استغلال جهود البشرية ومآسيها
لايجاد العدل الناقص ؟ وهل ذلك إلا الظلم الشنيع للبشر ، جل الله تعالى عنه
علواً كبيراً .
إذن ينتج من هذا الشرط ثلاثة أمور :
الأمر الأول :
أن الهدف في الحقيقة هو تطبيق الأطروحة العادلة الكاملة التي لا تحتوي على ظلم
أو نقص .
الأمر الثاني :
أن تكون هذه الأطروحة ناجزة عند الظهور . إذ مع عدمها يومئذ ، ينتقي التطبيق
بانتقائها ، ويتعذر العدل المنشود في اليوم الموعود .
الأمر الثالث :
أن تكون هذه الأطروحة معروفة ولو بمعالمها الرئيسية ، قبل البدء بتطبيقها .
لما عرفنا في الحديث عن التخطيط الالهي من أن تطبيقها يتوقف على مرور الناس بخط
طويل من التجربة والتمحيص عليها ، ليكونوا ممرنين على تقبلها وتطبيقها ، ولا
يفجؤهم أمرها ويهولهم مضمونها ويصعب عليهم امتثالها ، فيفسد أمرها ويتعذر
نجاحها ، كما هو واضح .
صفحة (400)
|